شاذلي عبدالسلام محمد يكتب…متى تختبر صبرنا؟

IMG 20241214 WA0001

رأي إعلامي
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد

منذ أن بدأ البنك المركزي في تطبيق قراراته بشأن سقف السحب النقدي، تزامنًا مع تغيير العملة والتي تقلصت تدريجيًا من 200 ألف إلى 100 ألف وأخيرًا إلى 50 ألفًا، ونحن نعيش فصولًا من المعاناة اليومية. وكأن هذه الإجراءات لم توضع إلا لإثقال كاهل المواطن البسيط وزيادة معاناته. فالقرار الذي يفترض أن يكون جزءًا من حل أزمة اقتصادية متفاقمة أصبح هو نفسه أزمة أكبر تُضاف إلى حياتنا.

تخيل أن تجد نفسك موظفًا في قطاع التعليم العالي؛ أستاذًا جامعيًا، أو عاملًا، أو موظفًا إداريًا. تستيقظ صباحًا لتجد قائمة لا تنتهي من المهام تنتظرك: إلقاء المحاضرات، متابعة الطلاب، إنجاز المهام الإدارية، أو حتى الاعتناء بأسرتك. ولكن قبل كل ذلك عليك أن تقف لساعات طويلة في صفوف مكتظة أمام البنوك تنتظر دورك للحصول على 50 ألفًا فقط، مبلغ لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات اليومية في ظل ارتفاع الأسعار المستمر.

لم يتوقف الأمر عند الطوابير الطويلة، بل زاد الطين بلة مع تعطل التطبيقات البنكية التي كان يُعوَّل عليها لتخفيف الضغط عن البنوك. ففي أوقات الذروة تجد هذه التطبيقات متوقفة عن العمل بسبب أعطال فنية متكررة. مما يضاعف الإحباط ويضع المواطن في مأزق جديد. فأنت لا تستطيع السحب عبر الصرافات بسبب سقف السحب المحدود – إن وجدتها – ولا يمكنك استخدام التطبيقات التي تعاني من خلل دائم. والنتيجة: المزيد من الوقت الضائع والمزيد من الجهد المهدر في معركة يومية للحصول على أموالك الخاصة.

إذا كان الحال هكذا لموظفي التعليم العالي، الذين يُفترض أنهم من الفئات الأكثر استقرارًا، فما بالك بالعاملين في الوظائف البسيطة الذين يعتمدون على دخلهم اليومي؟ كيف يمكن لعامل في جامعة أو موظف إداري، أو حتى أستاذ يحمل درجة علمية أن يؤدي واجبه تجاه المؤسسة التي يعمل بها في ظل هذه الظروف؟

لقد رضينا أن نتحمل خفض رواتبنا بنسبة 40% بدعوى التضحية من أجل الوطن. ورغم صعوبة هذا القرار، قبلناه من منطلق مسؤوليتنا الوطنية. ولكن يبدو أن التضحية لم تعد تقتصر على المال فقط، بل امتدت إلى الوقت، والجهد، وحتى الكرامة. فالطوابير التي نقف فيها كل يوم تحت أشعة الشمس أو في البرد القارس أصبحت رمزية لمعاناة المواطن السوداني الذي لا يملك سوى الصبر وانتظار المجهول.

كيف يمكن لأستاذ جامعي، يفترض أن يكون قدوة للأجيال القادمة، أن يركز على إعداد محاضراته وهو منشغل بكيفية سحب 50 ألفًا لتغطية مصروفات أسرته؟ وكيف يمكن لعامل في جامعة أن يؤدي واجبه في صيانة المباني والمرافق بينما يقضي نصف يومه في الطوابير؟

الأمة التي لا تُقدّر معلميها وعمالها محكوم عليها بالتراجع. فقرارات البنك المركزي هذه لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تضرب في صميم المؤسسات التعليمية التي تُعتبر العمود الفقري لأي نهضة. وإذا كان أستاذ الجامعة، رمز الفكر والتقدم، يُجبر على الوقوف في صفوف طويلة ويُعامل بهذا الشكل المجحف، فكيف لنا أن نبني جيلًا قادرًا على قيادة المستقبل؟

التخطيط الاقتصادي، مهما كانت أزماته، يجب أن يضع الإنسان في قلب المعادلة. فلا يمكن تحقيق أي تقدم إذا كان المواطن يُعامل وكأنه جزء من خطة رياضية جافة لا تراعي احتياجاته اليومية.

نحن بحاجة إلى إجابة واضحة: ما الهدف من هذه التخبطات؟ هل هو العجز عن إدارة الموارد؟ أم أن هناك غيابًا تامًا للرؤية الشاملة؟ إذا كانت الموارد محدودة، لماذا لا تُصارح الحكومة شعبها وتضع حلولًا بديلة؟ وإذا كان التخطيط هو المشكلة، فالمسؤولية تقع على من يقود دفة القرار.

ما نشهده اليوم هو قتل بطيء لطموحاتنا وآمالنا. وكل يوم نقف فيه في طوابير البنوك أو نعاني من تعطل التطبيقات البنكية هو يوم نفقد فيه جزءًا من طاقتنا وحماسنا للعمل والبناء.

كفى عبثًا بكرامة المواطن. نحن لا نطلب رفاهية، بل نطلب الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي تسمح لنا بأداء أعمالنا وخدمة وطننا دون أن نقف لساعات طويلة من أجل فتات لا يكفي لسد احتياجاتنا. وإذا كان المعلم، والعامل، والموظف في التعليم العالي يُعامل بهذه الطريقة، فكيف يمكننا أن نأمل في بناء وطن متقدم؟

الأمة التي تضحي بمعلميها وعمالها لن ترتقي. علينا أن نقف جميعًا ونطالب بحلول عادلة ومنصفة. فالوطن ليس مجرد شعارات، بل هو كرامة، وعدالة، وإنسانية.

إلى أن نلتقي…
١١ يناير ٢٠٢٥م

اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب

مقالات ذات صلة

IMG 20241214 WA0001

شاذلي عبدالسلام محمد يكتب.. القرو عملو شنو؟

IMG 20241210 WA0015

الشهادة السودانية الثانوية: تحدٍّ يكتبه التاريخ

images 24 14

بيان الإمارات ضد استخدام (الفيتو ) … قراءة تحليلية

IMG 20241210 WA0015

الخرطوم.. عاصمة الكرامة التي لا تهددها الكلمات