لشعبنا العظيم إرادة لا تقهر وعزيمة لا تلين وصبر وجلد عند المحن. وليس أدل على ذلك من قيام امتحانات الشهادة السودانية رغم كل الظروف، ورغم أنف الميليشيا المجرمة التي سعت بكل ما تملك لحرمان أبناء السودان من حقهم في التعليم. ولكن كيف تقهر عزيمة شعب قطعت فيه طالبة صغيرة أكثر من ٢٠٠٠ كيلو متر في ظل ظروف معقدة ومخاطر أمنية من أبشي التشادية وحتى مدينة الدامر في شمال السودان لتجلس لامتحان الشهادة؟ ولم يكن عجباً أن يكون اسمها “شمس”، فهي اسم على مسمى، سعت وأشرقت في سماء السودان شمساً لا تغيب عن ذاكرة أهل السودان وسجلت اسمها مع رائدات السودان. لأنها بعملها هذا جسدت روح ووجدان الأمة السودانية في تحدي الصعاب وقهر المحن وحب العلم والسعي له.
ملحمة الامتحانات:
ملحمة قيام الامتحانات والاهتمام بمستقبل أبنائنا الطلاب كانت ملحمة وطنية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. إذ أوضحت بجلاء سعي الدولة الدؤوب لإقامة مصالح الناس والاهتمام بشأنهم، وأن الأمر أمانة ومسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، رغم الحرب والتحديات الجسيمة ورغم سعي الميليشيا لحرمان الطلاب من الامتحانات. لا يهمها مستقبلهم وهي أصلاً لا تفهم أن هؤلاء الطلاب هم مستقبل البلد. ولكن كيف لها أن توقف إرادة شعب فيه شمس الحافظ؟!
نجاح الامتحانات:
وزارة التربية والتعليم كانت قدر التحدي، ولجنة امتحانات السودان وما تتمتع به من خبرات متراكمة كانت على مستوى الحدث. فبتدابير وترتيبات منظمة وصارمة، مرت الامتحانات بسلام وسط فرحة عارمة لكل الأسر. قطع شبكة الإنترنت أثناء فترة الامتحانات كان من أهم هذه التدابير بسبب المهددات الأمنية التي يمكن أن تحدث على الأرض. وفي الإجمال، للتخطيط المحكم دور كبير في إنجاح هذه الامتحانات، والإشادة تمتد بالأجهزة الأمنية والمستشاريات الثقافية في الخارج. فقد تضافرت كل هذه الجهود حتى رأت هذه الامتحانات النور.
قرار الوزارة الشجاع:
لقد عملت وزارة التربية والتعليم بقاعدة “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، وحتى لا تتراكم الدفع في الصف الثالث ويصبح أمر الامتحان عسيراً جداً بسبب الأعداد المتزايدة كل عام، وحتى لا تضيع على التلاميذ سنوات دراسية، كان هذا القرار الشجاع لقيام الامتحانات وتحدي وقهر الصعاب.
تصريحات الوزير:
استمعت لتصريح صحفي لوزير التربية والتعليم المكلف، د. أحمد الخليفة عمر، حيث أوضح أن عدد طلاب الدفع المؤجلة ٥١٣ ألف طالب وطالبة، سجل منهم لهذه الامتحانات ٣٥٠ ألف طالب وطالبة، وجلس للامتحانات ٢٥٩ ألف طالب وطالبة بنسبة بلغت ٧٠ في المئة. وهذا بلا شك نجاح كبير. وأكد الوزير قيام الامتحانات القادمة في شهر مارس لضمان جلوس كل أبنائنا الطلاب لامتحان الشهادة.
الامتحانات في الخارج:
امتحانات هذا العام قامت في كل المراكز الخارجية التي كانت تقام بها في السابق، عدا دولة تشاد. حيث قامت في السعودية ومصر وتركيا ويوغندا وليبيا وإثيوبيا وكينيا وجنوب السودان وقطر وإندونيسيا والصومال وغيرها من المحطات الصغيرة التي كان فيها الامتحان في السفارات.
موقف تشاد:
قام في كل هذه الدول عدا تشاد، ياللعجب، وياللحسرة! تشاد الشقيقة التي نصف شعبها تعلم في السودان إن لم يكن أكثر من ذلك، تقوم بهذا الموقف؟ تشاد التي لها نصيب الأسد في منح جامعة إفريقيا العالمية، تشاد التي درس العدد الذي لا يمكن حصره من أبنائها في مدارس الصداقة السودانية، تشاد التي تربطنا صلات الدم والقبائل المشتركة بين البلدين والمصاهرات… فعلاً موقف غريب. حاولت أن أفهم الدوافع التشادية التي دعت لذلك، واستمعت لحديث لمستشار سياسي تشادي أدلى به لإحدى القنوات رداً على سؤال: “لماذا تحرمون طلاب السودان على أرضكم من الامتحانات؟”. فكان رده أنهم يقفون في الحياد بين الأطراف المتحاربة، وهذا منطق عاجز وغريب. التقيت بعدد من الأخوة التشاديين في القاهرة الذين تحسروا على موقف حكومتهم، ووصفوه بغير الأخلاقي. ولا أشك أن غالبية الشعب التشادي يجد مرارة في حلقه من موقف حكومتهم تجاه أشقائهم السودانيين.
مليشيا التمرد:
قيام امتحانات الشهادة السودانية وتبديل العملة أوضح أن هذه المليشيا ما هي إلا مجموعة من قطاع الطرق والقتلة والمخربين لا أكثر ولا أقل. وهي مجرد تحدٍ أمني جاري التعامل معه، وقريباً سنحتفل بإذن الله بتحرير كل شبر من وطننا الحبيب.