د. إسماعيل الحكيم يكتب – الوجود الأجنبي في السودان.. محنة أم منحة؟

اسماعيل الحكيم

لطالما كان السودان، بحكم موقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية، ساحةً للتفاعل مع القوى الأجنبية، سواء عبر الاستعمار القديم أو النفوذ الحديث الذي تمظهر بأشكال مختلفة: سياسية، اقتصادية، وعسكرية.

ومع اندلاع الحرب الأخيرة، تعاظم هذا الحضور الأجنبي، فكيف كان أثره؟ وهل يمكن تحويله من تحدٍ إلى فرصة كما تفعل الدول الأخرى؟

الوجود الأجنبي قبل الحرب.. نفوذ بلا عائد وطني

قبل الحرب، كان الوجود الأجنبي متفاوتًا بين حضور دبلوماسي واستثماري ومنظمات دولية، لكنه كان عشوائيًا في كثير من جوانبه، حيث امتد إلى قطاعات حيوية مثل التعدين والزراعة، ولكن دون مردود حقيقي ينعكس على المواطن السوداني.

الاستثمارات الأجنبية، رغم حجمها، كانت تخدم مصالح الدول والشركات الداعمة لها، ولم تكن قائمة على رؤية وطنية استراتيجية تضمن استفادة السودان من هذا الحضور.

ما بعد الحرب.. تدخلات مباشرة وصراع على النفوذ

مع اندلاع الحرب، انكشف البعد الحقيقي للوجود الأجنبي، حيث لعبت بعض القوى الإقليمية والدولية أدوارًا مختلفة:

دعم مباشر للمليشيات بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. وساطات دولية تتحرك وفق مصالحها الخاصة لا لحل الأزمة السودانية. تدخلات استخباراتية واستغلال موارده بطرق غير مشروعة.

حتى في الجانب الإنساني، لم يكن الأمر خاليًا من التلاعب، حيث تدفقت المنظمات الدولية تحت لافتات الإغاثة والدعم الصحي، لكن العديد منها عمل وفق أجندات مسبقة، مما أثار تساؤلات حول التزامها بواجباتها الحقيقية.

صحيح أن بعض الجهات قدمت دعمًا حقيقيًا للمتضررين، لكن المشكلة الكبرى كانت في غياب الإدارة الوطنية الفاعلة، مما جعل هذا الدعم أداة ضغط سياسي أكثر من كونه دعمًا إنسانيًا خالصًا.

كيف يحوّل السودان الوجود الأجنبي إلى فرصة؟

بدلًا من ترك السودان ساحة مفتوحة للنفوذ الأجنبي دون استراتيجية واضحة، يمكن إعادة صياغة العلاقات الخارجية وفق أسس تحقق المصلحة الوطنية. ومن بين الحلول الممكنة:

1- ضبط الاستثمارات الأجنبية لصالح السودان

فرض سياسات استثمارية صارمة تضمن أن تكون الشراكات متكافئة. ضمان نقل التكنولوجيا واستحداث فرص عمل حقيقية للسودانيين. تحقيق نسبة عادلة من الأرباح لصالح الدولة، وليس فقط للشركات الأجنبية.

2- تحويل التدخلات الدولية إلى فرص لإعادة الإعمار

بدلًا من ترك الدول الكبرى تتدخل وفق أجنداتها الخاصة، يجب الضغط باتجاه تحويل هذا النفوذ إلى دعم حقيقي للبنية التحتية والقطاعات الإنتاجية. إعادة تأهيل الاقتصاد عبر برامج تخدم السودان أولًا.

3- توظيف الخبرات الأجنبية لخدمة التنمية الوطنية

يمكن الاستفادة من الخبرات الأجنبية في التعليم، الصحة، وإدارة الموارد، لكن وفق خطط وطنية واضحة لا تخضع للأجندات الخارجية.

4- الاستفادة من المنظمات الدولية بشروط وطنية

بدلاً من ترك المنظمات تعمل دون رقابة، يجب إنشاء جهة وطنية مختصة تراقب أنشطتها، وتحدد مجالات تدخلها وفق أولويات السودان، وليس وفق حسابات المانحين فقط. الختام.. السودان بحاجة إلى رؤية واضحة

الوجود الأجنبي في السودان واقع لا يمكن إنكاره، لكنه ليس بالضرورة عامل ضعف إذا تمت إدارته بحكمة.

لقد رأينا أن الدول الناجحة لا ترفض النفوذ الأجنبي، لكنها تستثمره بشروطها، وفق مصالحها الوطنية.

التحدي الحقيقي اليوم هو أن يمتلك السودان رؤية واضحة لضبط هذا الوجود، بحيث يخدم التنمية والاستقرار بدلًا من أن يكون استمرارًا للهيمنة والتبعية.

سودان ما بعد الحرب يحتاج إلى إدارة جديدة لعلاقاته الخارجية، تنطلق من سيادة وطنية حقيقية، تضمن أن أي تدخل أو استثمار أجنبي يصب في مصلحة السودان، لا في مصلحة الآخرين.

اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب

مقالات ذات صلة

1e97acff 9c5f 4a78 be57

السودان بين فكي المؤامرات والصراعات … من ينتصر للوطن؟

شاذلي عبدالسلام محمد

شاذلي عبدالسلام محمد يكتب – الفكي الأطرش.. حين ينهار الوهم تحت أقدام الحقيقة

شاذلي عبدالسلام محمد

بين الركام: أمة على مفترق الطرق… فهل ننهض أم نندثر؟ بقلم – شاذلي عبدالسلام محمد

شاذلي عبدالسلام محمد

أنا مقتنع.. هل آن الأوان لإعادة تعريف التعليم الجامعي؟.. بقلم – شاذلي عبدالسلام محمد