رأي إعلامي
الفكي الأطرش
يُحكى أن شيخًا ضريرًا كان يجوب القرى، يشتهر بكراماته المزعومة وقدرته على فك المربوط ورد الضائع، لكن مشكلته الكبرى كانت في صمته الدائم، لا يتحدث إلا حين يُسأل، وحتى حينها لا يقول إلا كلامًا ملغزًا لا يفهمه أحد.
وذات يوم، اجتمع حوله أهل قرية نائية طلبًا للبركة، فصاح أحدهم:
“يا فكي، قل لنا كلمة حق، ماذا ترى؟”
ابتسم الشيخ الصامت وقال: “أرى الغبار”، ثم أدار ظهره واختفى بين الأزقة…
ضحك الحاضرون، فكيف لرجل ضرير أن يرى الغبار؟ لكنهم لم يدركوا أن الغبار لم يكن في عينيه، بل في قدميه، وهو يفر من أول اختبار حقيقي لمكانته الوهمية…
هكذا تمامًا، وبعد شهور من التبجح والادعاء بالقوة التي لا تُقهر، رأينا جيش “الفكي الأطرش” وهو يتطاير كحبات الرمل في مهب الريح، يركض في كل اتجاه، تاركًا خلفه ما نهبه وما دمّره، باحثًا عن أي مخبأ، وكأن الحرب التي أشعلها لم تكن سوى لعبة فيديو اعتقد أنها ستُعاد بعد كل خسارة!
بالأمس، كان قادة وأفراد الدعم السريع يتحدثون عن “السيطرة” وعن “أصحاب الأرض”، واليوم لا صوت يعلو فوق صوت أقدامهم الهاربة، ولا صورة أوضح من سياراتهم المحروقة، ولا مشهد أكثر إقناعًا من عيونهم المذعورة، وهم يبحثون عن أي درب للنجاة…
هل رأيتم يومًا ثعلبًا يتبجح أمام الأسود؟ هذا تمامًا ما فعلته عصابة “الفكي الأطرش”، حين ظنّت أن الأرض قد دانت لها، وأن الشعب الذي سامته الويلات سيرفع لها رايات الولاء خوفًا وطمعًا.
لكنهم لم يدركوا أن الحبال التي يربطون بها أعناق الأبرياء هي ذاتها التي ستلف حول رقابهم، وأن البيوت التي أحرقوها ستضيء لغيرهم طريق القصاص…
لقد بالغت عصابة الدعم السريع في الرقص فوق جثث الأبرياء، حتى اعتقدوا أن الأرض ملكهم، وتوهموا أن السلطة تُنتزع بالسواطير لا بالعقول. فبنوا أحلامهم على الرمال، ونصبوا خيامهم فوق المقابر، وعندما أشرقت شمس الحقيقة، لم يجدوا سوى السراب ليشربوا منه، والغبار ليلتحفوا به، والموت ليحصد أرواحهم التي استرخصوها في أفعال الإجرام…
“الفكي الأطرش” مثلهم تمامًا، ظل يتحدث عن القوة والبركة، وحين جاء يوم الحساب، لم يجد ما يقوله سوى “أرى الغبار”، قبل أن يركض كأرنب مذعور بين الأشواك…
فلا نامت أعين الجبناء…
إلى أن نلتقي…
٣ نوفمبر ٢٠٢٥م