مدني .. جوووة .. بقلم د. إسماعيل الحكيم
اليوم الحادي عشر من شهر يناير… نهاراً وعند الواحدة ظهراً بتوقيت التضحيات والبذل والجهاد، كتبت ود مدني فصلاً جديدًا في تاريخ السودان النضالي، صفحةً مضيئة شهدت انتصار الإرادة الوطنية على قوى الظلام والخراب. وارتفعت رايات الحرية فوق سماء المدينة العريقة، مُعلنةً تحريرها من دنس الميليشيات الغادرة، وانتزاعها من براثن المرتزقة الذين أرادوا تمزيق الوطن وتدنيس أرضه الطاهرة.
لم يكن هذا النصر وليد اللحظة، بل كان ثمرة تضحيات جسيمة قدّمها أبناء السودان الأوفياء، الذين آمنوا أن الوطن يستحق الحياة وأن التضحية من أجله واجب مقدس. هؤلاء الرجال أحبّوا الموت في سبيل الحق كما يحب عدوهم الحياة، فخطّوا بدمائهم الطاهرة دروب الكرامة، ورسموا ملامح فجر جديد للحرية والسيادة رغم كيد الكائدين.
لم تكن الزغاريد التي عمّت المدن السودانية مجرد أصوات فرح واحتفال، بل كانت صلوات شكر لله الذي أذن بتحقيق النصر، ووعد للذين أخرجوا من ديارهم بالعودة إليها فاتحين، وهتافات اعتزاز بجند الوطن الذين حملوا أرواحهم على أكفهم دفاعًا عن كرامة السودان. هؤلاء الرجال الأبطال لم يتوانوا في مواجهة المرتزقة والعملاء الذين سعوا لهدم أسس الدولة وتمزيق نسيجها الاجتماعي وطمس هويتها المباركة.
إن تحرير ود مدني يحمل رمزية عظيمة تتجاوز مجرد استعادة مدينة من قبضة الأعداء؛ فهو يعكس إرادة السودانيين الصلبة ووحدتهم في مواجهة كل محاولات الاستهداف الخارجي. وهذا الانتصار هو رسالة واضحة بأن السودان بحول الله وقوته، وبرجاله ونسائه، قادر على الوقوف في وجه أي قوة تحاول العبث بسيادته أو وحدته.
إن تحرير ود مدني ليس نهاية الطريق بل بداية لمرحلة جديدة من النضال والعمل لإعادة بناء السودان واستعادة مكانته بين الأمم. وستظل دماء الشهداء نورًا يضيء لنا طريق المستقبل، وستبقى تضحياتهم أمانة في أعناقنا لنكمل المسيرة بنفس الروح والعزيمة.
اليوم، يحتفل السودان بانتصار جديد يُضاف إلى سجله المجيد، مؤكّدًا أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن الأوطان التي يُحرس ترابها بأرواح أبنائها تظل شامخة، عصية على الانكسار. فشكراً جنودنا البواسل… وشكراً مبجلاً لكل مقاتل خرج بنفسه وماله دفاعاً عن السودان… أرضاً وولاءً وانتماءً.