فلسفة الواقع المر.. تشاد بين الجوار السيئ والمصالح الضيقة

فلسفة الواقع المر: تشاد بين الجوار السيئ والمصالح الضيقة

بقلم: أ/ شاذلي عبدالسلام محمد

في إحدى القرى المنسية بين جبال النسيان، عاش رجل يدعى شاذلي اشتهر بكونه أسوأ جار في تاريخ الحي. لم يكن ينظر إلى جيرانه إلا عبر ثقوب الشك وسرادق الأنانية. ذات ليلة، ضربت العواصف قريته بقسوة، فانهارت البيوت، وهرع الجيران إلى منزله طلباً للمأوى، لكنه رد عليهم ببرود: “بيتي ليس مأوى لكم، تدبروا أموركم بعيداً عني”.

تكرار القصة بأبعاد أوسع

اليوم، يتكرر هذا المشهد على مسرح أوسع وأشد مأساوية، حيث رفضت تشاد استضافة امتحانات 13 ألف طالب سوداني نزحوا إليها قسراً بسبب الحرب. هؤلاء الطلاب، الذين يمثلون حلم السودان ومستقبله، طردوا من مدارسهم وناشدوا الجار الأقرب، لكنه رد عليهم بنفس قسوة شاذلي، مغلقاً أبوابه في وجوههم.

تشاد ونسخة جديدة من الجوار السيئ

تشاد التي كان بإمكانها أن تخلد في التاريخ كدولة رحيمة فتحت أبوابها لجيرانها الجرحى، اختارت أن تُعرف كدولة لا ترى سوى مصالحها الضيقة. رفضها لاستضافة الامتحانات لا يعكس فقط موقفاً سياسياً، بل هو رسالة تحمل في طياتها فلسفة الجار السيئ.

الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ فتشاد لم تكتفِ بالرفض، بل أمعنت في تعميق الجرح بتمويل المليشيات التي أشعلت الحرب في السودان، مستخدمة أموالها لزرع الفوضى بدلاً من بناء المدارس ودعم التعليم.

الجوار: بين الإنسانية والسياسة

فكرة الجوار ليست مجرد حدود مشتركة، بل رابطة إنسانية يفترض أن تترجم إلى مواقف نبيلة في الأوقات العصيبة. لكن تشاد تعاملت مع السودان كخصم، لا كجار، وكأنها تعاقب أبناءه على محنتهم بدلاً من أن تكون اليد التي تمتد لتخفف معاناتهم.

رفض تشاد ليس مجرد قرار بسيط، بل هو رفض للحياة والأمل. امتحانات هؤلاء الطلاب ليست مجرد أوراق وأقلام، بل هي طوق النجاة الأخير الذي يعيد التوازن لحياتهم وسط واقع قاتم.

الجار السيئ في السياسة

فلسفة الجار السيئ لا تقتصر على تشاد وحدها، بل تمتد لتشمل دولاً عديدة. الجار السيئ في السياسة يغلق أبوابه وقت الحاجة، ويمول الحروب بدلاً من أن ينفق على السلام، ويزرع الكراهية بدلاً من المحبة.

الدرس المستفاد: الاعتماد على الذات

عزيزي القارئ، علينا أن نتعلم من هذه التجربة المريرة. فلسفة الاعتماد على الجار قد تبدو جميلة، لكنها ليست واقعية دائماً. تشاد أثبتت أن الدول الصغيرة مثل السودان لا يمكنها الاعتماد إلا على نفسها.

ربما حان الوقت لبناء الجدران بدلاً من مد الأيدي، ولتعلم الاعتماد على الذات بدلاً من انتظار المساعدة من جار قد يغلق بابه في وجهنا عند الحاجة.

إلى أن نلتقي…

اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب

مقالات ذات صلة

عطبرة تختنق بين الفوضى والزحام: لمن نشكو؟

الوساطة التركية فرصة سلام أم لعبة مصالح؟

قوات العمل الخاص.. فخر الدفاع وشرف التضحية

ولاية كسلا…. وزير الشئون الاجتماعية ونائب والي كسلا الغاضب