بقلم : شاذلي عبدالسلام محمد
بينما كنت أتصفح منصة “تيك توك” محاولًا استكشاف ملامح هذا العالم الرقمي، توقفت عند زاوية مظلمة تحمل توقيع الشباب السوداني. كانت تجربة صادمة، أشبه بالغوص في مستنقع من السطحية والصراعات العبثية. وسط زخم الفيديوهات، غابت تمامًا اللحظات التي قد تحمل شيئًا من الفائدة أو الإبداع. ما وجدته كان أقرب إلى كارثة ثقافية تتطلب وقفة جادة للتأمل والنقد.
تيك توك السوداني: غياب الإبداع والقيمة
على خلاف ما نراه في “تيك توك” الأفريقي أو العربي، حيث الإبداع والفن والتعليم، يبدو “تيك توك” السوداني وكأنه مساحة خالية من أي قيمة.
لا نقاشات مجدية، ولا محتوى تعليمي، ولا حتى محاولات بسيطة للإبداع الفني. ما يسيطر هو صراعات سطحية، شجارات لا تنتهي، وتكرار ممل لأفكار مستهلكة. المشهد برمته يدور في دائرة مغلقة بلا مخرج.
انعكاس الواقع على العالم الرقمي
منصات التواصل الاجتماعي ليست سوى مرآة تعكس ما يجري في الواقع.
حين يتحول “تيك توك” إلى ساحة للصراعات الشخصية والتنمر، فإن ذلك يكشف عن أزمة هوية مجتمعية أعمق. الشباب، الذين يُفترض أن يكونوا بناة المستقبل، يظهرون وكأنهم عالقون في حلقة مفرغة من الفراغ الثقافي والسطحية الفكرية.
شباب في قوالب جامدة
هؤلاء الشباب، الذين يشبهون بعضهم البعض “كقطيع نعاج”، يعجزون عن التفكير بشكل مختلف أو إنتاج محتوى مميز. غياب التنوع والإبداع يعكس انعدام الجرأة على كسر القوالب الجاهزة التي حاصرتهم بها الظروف الاجتماعية والثقافية.
تيك توك: أداة أم مرآة؟
“تيك توك” بحد ذاته ليس المشكلة، بل هو أداة يمكن استخدامها بطرق مختلفة.
في دول أخرى، تحوّل إلى منبر لنشر الوعي وتعليم المهارات وتعزيز الإبداع. أما في السودان، فقد أصبح انعكاسًا للفراغ الذي يعيشه الشباب.
بدلًا من استخدامه كوسيلة للتثقيف والنقاش، بات المنصة مساحة للتفاهة والخلافات العبثية.
السؤال الجوهري هنا:
هل “تيك توك” مرآة لمجتمع مأزوم، أم أنه يزيد الطين بلة؟
المشكلة الحقيقية: غياب الوعي الجماعي
المشكلة الحقيقية ليست في “تيك توك” فقط، بل في غياب الوعي الجماعي.
الشباب السوداني الذي يستخدم المنصة بهذا الشكل يعكس:
غياب القيم التربوية. فشل النظام التعليمي في تنمية التفكير النقدي والإبداع. غياب البرامج الثقافية والإعلامية القادرة على تقديم بدائل تلبي احتياجات الشباب الفكرية والترفيهية. الأمل في التغيير
لكن، وسط هذه الصورة القاتمة، لا يمكننا أن نفقد الأمل.
التغيير ممكن إذا بدأنا من الأساس.
يمكن إعادة صياغة القيم التربوية. يجب أن تسعى الأسرة والمؤسسات التعليمية إلى تنمية التفكير النقدي والإبداع لدى الشباب. استغلال المنصات بشكل إيجابي
يجب دعوة المبدعين السودانيين إلى تقديم محتوى متميز يلهم الآخرين ويغير اتجاه الرياح الرقمية.
تغيير الذات أولًا
يجب أن نواجه أنفسنا بحقيقة أن الشباب على “تيك توك” هم نتاج مجتمع بأكمله.
إذا أردنا تغييرهم، فعلينا أن نبدأ بتغيير أنفسنا أولًا.
ختامًا
“تيك توك” السوداني، كما هو الآن، ليس إلا انعكاسًا لأزمة أعمق.
لكن، في كل أزمة، تكمن فرصة.
إذا قرر الشباب التحرر من قيود القطيع، وإذا تدخل المجتمع لتقديم بدائل أكثر فائدة وإلهامًا، فقد تتحول هذه المنصة إلى أداة لبناء المستقبل، بدلًا من أن تبقى مرآة للتفاهة.
التغيير ممكن، لكنه يتطلب وعيًا جماعيًا وجهودًا متكاملة.
وإلى أن يحدث ذلك، سيظل “تيك توك” السوداني شاهدًا على أزمة مجتمع بأكمله، وأملًا في ذات الوقت بأن يتحول هذا الواقع إلى فضاء أكثر إشراقًا.
إلى أن نلتقي…