رأي إعلامي
القرو عملو شنو؟
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد
في عصر الأخبار الصادمة والمانشيتات التي تتسابق مع الزمن، تصدر بالأمس عنوان أثار الدهشة والتساؤلات: “تاجر بصل يمتلك 11 تريليون جنيه”. خبر انتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقروبات الواتساب وأحاديث الشارع، ليترك الجميع أمام سؤال منطقي: هل من الممكن لتاجر بصل أن يمتلك هذه الثروة؟ وإذا كان الجواب نعم، فماذا عن أصحاب الشهادات والدرجات العلمية؟
تجارة البصل ليست مهنة هامشية كما قد يظن البعض؛ فهي تخضع لقوانين العرض والطلب وتحدد أسعارها حركة السوق، مثلها مثل تجارة الذهب. لكن حين نسمع عن مبلغ 11 تريليون جنيه، ندخل في أرقام تتجاوز حدود المنطق الاقتصادي. فهل نحن أمام ثروة حقيقية أم مجرد فقاعة إعلامية صنعتها الإثارة؟
إذا كان الرقم صحيحاً، فإن القصة تتعلق بنجاح استثنائي يستحق الدراسة. هذا التاجر الذي وصل إلى هذه القمة لا شك أنه يمتلك رؤية اقتصادية متفردة. قد تكون تجارة البصل مجرد البداية، لكنه بلا شك استثمر في مجالات أخرى واستغل الفرص بحكمة. وربما أيضاً كانت له علاقات نافذة أو عرف كيف يحول “البصل” إلى ما يشبه “البترول” الاقتصادي.
أما إذا كان الرقم مجرد خيال شعبي، فإن السؤال الأهم هو: كيف استطاعت هذه القصة أن تتصدر المشهد؟
هل نحن كمجتمع مغرمون بالأرقام الفلكية لأنها تغذي أحلامنا؟ أم أننا نميل لتضخيم الشخصيات لإيجاد رموز نجاح جديدة، حتى لو كان ذلك على سبيل المزاح؟
بعيداً عن الأرقام، لنطرح سؤالاً جاداً: إذا كان تاجر البصل قد حقق هذا النجاح، فماذا عن أصحاب الشهادات العليا؟
أولئك الذين أمضوا سنوات بين قاعات الجامعات والمكتبات، يحملون الألقاب الأكاديمية والدرجات العلمية، إذا كان تاجر البصل يمتلك 11 تريليوناً، فهل استطاعوا ترجمة علمهم إلى أرقام حقيقية؟ أم أنهم لا يزالون أسرى الرواتب المحدودة والتحديات اليومية؟
القصة هنا ليست عن البصل فقط؛ بل عن الفجوة الصارخة بين من يملك القدرة على التعامل مع السوق ومن يظل حبيساً لشهاداته وألقابه. إنها دعوة لإعادة التفكير في كيفية استثمار العلم والمعرفة في بناء الثروة وصناعة المستقبل.
ختاماً:
إذا كان الرقم حقيقياً، فإن تاجر البصل يستحق التحية على مهارته. لكن أصحاب العلم والمعرفة، أولئك الذين بنوا حياتهم على الفكر والإبداع، يستحقون أكثر من ذلك. فهم بحاجة لإيجاد مكان في هذه الحكايات الكبرى، لإثبات أن العلم يمكن أن ينافس في سوق المال والاقتصاد.
أما إذا كان الرقم مجرد خيال، فإن القصة تعكس حاجتنا إلى إعادة ترتيب أولوياتنا. فبدلاً من السؤال: “كم يملك تاجر البصل؟”، دعونا نسأل: “كيف يمكن أن يكون للعلماء والأكاديميين نصيب في هذه العناوين؟ وكيف يمكن أن يتحول فكرهم إلى قيمة اقتصادية توازي تريليونات السوق؟”
القصة ليست عن البصل؛ بل عن تلك الفجوة بين العلم ورأس المال. وعن الأرقام التي تدهشنا وتجعلنا نتساءل: القرو عملو شنو؟
إلى أن نلتقي…
28 ديسمبر 2024م