وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي – مبادرة أركويت للحوار بين خيال صاحب التيار وواقعية المشهد السياسي
كتب استاذنا عثمان مرغني رئيس تحرير صحيفة التيار في عموده “حديث المدينة” مطلع الأسبوع عن مبادرة يجري ترتيبها بعيدا عن أعين الأعلام أسماها “مبادرة البرهان” متعلقة بدعوة جميع الاحزاب السودانية بلا استثناء إلى حوار سوداني سوداني داخل البلاد في منتجع اركويت بولاية البحر الاحمر. عثمان من فرط حرصه علي المزاوجة بين صدقية معلوماته وجودة تحليله وغرابته على الكثيرين فضل أن يدافع عن مقاله بأنه خيال علمي من عنده حيث و ضع من خلال هذا الخيال رؤية سياسية متكاملة لخارطة طريق تقوم على التوافق السياسي للمرحلة المقبلة ، إلا إن الأمر لا يبدو بتلك التفاصيل التي أوردها .
هذا المؤتمر الذي يمثل مرحلة مهمة من واقعية المشهد السياسي . بحسب مصادر مقربة من صناعة القرار سينعقد علي مرحلتين بعد استيفاء بعض الترتيبات ، الأولى سيبحث أمر النظر في توافق يمكن من الإنتقال إلى دستور مؤقت لإدارة البلاد بعد أن اثبتت الوثيقة الدستورية السارية قصورها في معالجة كثير من قضايا الحكم خصوصا بعد تعليق عدد من موادها بعد المفاصلة التي اطاحت بحكومة حمدوك في 25 أكتوبر 2021م ، بجانب بحث حكومة وطنية من الكفاءات بالإضافة الي استكمال الاجهزة العدلية حتي مستوى المحكمة الدستورية، ثم في مرحلة ثانية سيبحث أمر استكمال الجهاز التشريعي والمفوضيات التي يأتي على رأسها مفوضية الدستور و مفوضية الانتخابات ، وهناك حديث عن مفوضية التراضي الوطني ورد المظالم ، لتسوية افرازات الحرب السياسية والاجتماعية
في مقال سابق كتبت عن اتجاهات لتسوية سياسية “مليشيا الدعم السريع ليست جزء منها “مرتبطة بشروط محددة يجري العمل عليها برعاية من بعض الأطراف الخارجية المؤثرة في المشهد السياسي والتي تثق فيها الحكومة السودانية ، حيث سيختصر دورها في المرحلة الأولى حول التسهيل والمقاربات وجمع الأطراف ، وإذا مضت الأمور كما يرام ربما تنتقل الوساطة إلى مرحلة جديدة لضمان ديمومة ما ينتج من اتفاق ورعايته من بعد ذلك، بجانب مساعدتها للسودان في عملية إعادة الإعمار وهذا الدور بحسب مراقبين أقرب لأن تلعبه المملكة العربية السعودية التي وعدت بذلك في الاجتماع الذي عقد مؤخرا بين الرئيس البرهان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علي هامش القمة العربية بالرياض وجمهورية مصر العربية ودولة قطر أو ربما الولايا المتحدة الأمريكية .
فكما نعلم أي اتفاق وطني بجانب ضمانات الأطراف الموقعة عليه يحتاج أيضاً لضمانات اقليمية ودولية حتي يمضي إلى نهايات مستقرة ، لذلك ربما يدخل الإتحاد الإفريقي والإيقاد والأمم المتحدة في مرحلة لاحقة . الشاهد في الأمر أن الحكومة ربما بدأت في ذلك المسعى بصورة جادة عبر لجنة فنية تضم وزيري الخارجية د. علي يوسف الشريف والثقافة والإعلام الأستاذ خالد الأعيسر وآخرين ، ولعل تكليفهم في هذا التوقيت قصد منه الفصل بين مرحلتي الحرب والسلام أو فلنقل بين خطابين للدولة السودانية التي بدأت في استرداد عافيتها تدريجيًا ، وهو الخطاب الأمني العسكري والخطاب السياسي التوافقي ،كما تابعنا ذلك خلال تحرير سنجة أول الأمس بصدور بيان التحرير عبر منصة الحكومة بواسطة وزير الثقافة والأعلام أولا ثم تبعه بعد ذلك بيان الناطق الرسمي باسم الجيش .
وفي ذلك دلالة سياسية واضحة حسب مراقبين إذ أن هذه الإجراءات تمكن من إعادة التأكيد على وجود الحكومة كجهة شرعية مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد ، مما يعزز مكانتها في الداخل والخارج . كما يُظهر أن قرار قيادة البلاد يمضي نحو إبراز دور الحكومة في المشهد العام ، الداخلي والخارجي ، مما يعكس توازنًا بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية . بلاشك هذه الخطوة تسهم في التصدي لمحاولات التهميش والانتقاص من الحكومة السودانية. كما أن تأكيد الحكومة على إدارة الأمور بموجب القوانين والدستور يمكن أن يعزز المصداقية المحلية والدولية ويؤكد التزام المجلس السيادي بالتحول المدني الديمقراطي في اليوم التالي من الحرب.
كذلك هذا يدل علي اننا قد دخلنا في مرحلة جديدة أهم ملامحها هو إبراز دور الحكومة وقيادتها للملفات السياسية في المرحلة المقبلة مع الأطراف المعنية وهنا نلاحظ التحرك الدبلوماسي والتصريحات الايجابية التي ظل يطلقها الوزير علي يوسف في أنهم دعاة سلام وهو أفضل الطرق لاستعادة الأمن وتحقيق الاستقرار . كذلك يجب الإشارة تهيئة الاحزاب السياسية بدأ بمجموعة “الناظر ترك” والحركات التي عقدت مؤتمر في بورتسودان لتوحيد رؤيتها ، و المؤتمر الوطني الذي ضجت الاسافير بتداعيات انعقاد شوراه وإعادة ترتيب صفوفه مطلع الأسبوع الماضي بجانب ظهور تيار عبد الرحمن الصادق المهدي في حزب الأمة معتمدا علي كيان الانصار الأكثر ولاء للحزب ، كل ذلك في تقديري استعداد لهذا الحوار المهم وكذلك اجتماع تنسيقية القوي المدنية” تقدم ” وبعض الأحزاب الأخرى الذي يجري الآن في سويسرا بتنسيق من جهات إقليمية.
إذا نحن أمام تطورات جديدة في المشهد السياسي السوداني، هذا بالنظر إلى تقدم الجيش في عدد من المحاور واقترابه من استرداد الجزيرة والخرطوم . ذلك الذي يجب أن تسبقه خطة توضح ماذا بعد نهاية الحرب ، إذا كان الحكومة قد عقدت اتفاقاتها و مؤتمراتها المتعلقة بالاقتصاد والصناعة والنفط والطاقة وإعادة الإعمار من الأولى أن تكون الرؤية السياسية لإدارة الدولة جاهزة ما بعد الحرب. حتي لا يتفاجأ الجميع بخلافات تأخر الانتقال المتعلق بأستعادة الامن وتحقيق السلام.
وفقًا لمانراه من وجه الحقيقة وما تظهره الأحداث الحالية التي تشكل سيناريوهات ما بعد الحرب، يتفق أغلب السودانيين على ضرورة إدارة المرحلة المقبلة بواسطة الجيش وحكومة كفاءات وطنية غير حزبية من المدنيين. وتتمثل أولويات هذه الحكومة في إصلاح الاقتصاد، استكمال المحاكمات العادلة، وتحضير البلاد للانتخابات في غضون ثلاثة أعوام، مستلهمين في ذلك تجربة المشير عبد الرحمن سوار الذهب التي انتقلت بالبلاد إلى التحول الديمقراطي بحكمة وسلاسة، ما أكسبها إشادة محلية وإقليمية ودولية.
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 27/نوفمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com