حين يسقط الأرسنال.. وينكسر المجد — أ/ شاذلي عبدالسلام محمد
العودة إلى الكتابة
تركت الكتابة في الرياضة منذ زمن، لا لأنني فقدت الشغف بها، بل لأنني أدركت أن الكرة، مثل الحياة، تدور بلا هوادة؛ تصعد وتهبط، تبني المجد وتهدمه في لحظة. لكن هناك أخبارًا تجبرك على العودة، ترغمك على الإمساك بالقلم، لا لتحلل الأرقام والإحصائيات، بل لتعبر عن الألم الذي يخنق الكلمات. واليوم، أجد نفسي أكتب عن سقوط الأهلي شندي، أرسنال نهر النيل، الفريق الذي كان يومًا نموذجًا للصعود والثبات، لكنه اليوم يغادر الممتاز، يودّع حيث كان سيدًا، ويترك خلفه مرارة لا توصف.
الأهلي شندي.. مشروع طموح
عزيزي القارئ، حين صعد الأهلي شندي إلى الدوري الممتاز في 2010م، لم يكن مجرد فريق صاعد يبحث عن موطئ قدم بين الكبار، بل كان مشروعًا مختلفًا ورؤية طموحة، وكيانًا يراد له أن يكون رقمًا ثابتًا في معادلة الكرة السودانية. لم يكن ضيفًا عابرًا، بل فرض نفسه بقوة، نافس وتألق، تواجد في المراكز المتقدمة، وحقق المجد عندما تُوّج بكأس السودان في 2017م، ليكتب اسمه بأحرف من ذهب في سجل الإنجازات الكروية.
قانون كرة القدم القاسي
لكن الحياة لا تمنح أحدًا الأمان المطلق، وكرة القدم قاسية لا ترحم من يغفل لحظة أو يعتقد أن البقاء في القمة أمر مضمون. جاء يوم السقوط، اليوم الذي لم يكن في الحسبان، عندما وجد الأرسنال نفسه خارج الممتاز بعد 14 عامًا من الصمود، إثر خسارته أمام الأهلي الخرطوم بهدفين، وتجمد رصيده عند نقطتين، ليصبح خارج حسابات البقاء. ورغم أن أمامه مباراة أخيرة أمام الفلاح عطبرة، إلا أنها لن تغيّر شيئًا من الواقع المر.
أسباب السقوط.. أسئلة مشروعة
السقوط في كرة القدم لا يحدث فجأة، ولا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة طبيعية لأخطاء تراكمت، لأزمات لم تُعالَج، وللاختلالات التي لم يتم تصحيحها في الوقت المناسب. وهنا تبرز عدة تساؤلات:
هل كانت هناك مشاكل إدارية أثرت على استقرار الفريق؟ هل الجهاز الفني لم يكن على مستوى التحدي؟ هل غابت الروح القتالية التي كانت تميز الأهلي شندي؟ هل كانت هناك أخطاء في التعاقدات أو سوء تقدير في اختيار اللاعبين؟ هل تراجعت الموارد المالية وأثرت على جودة الإعداد؟ أم أن ثقة الإدارة والجماهير في بقاء الفريق جعلت الجميع يتأخر في دق ناقوس الخطر؟
هذه الأسئلة يجب أن تُطرح بجرأة، بعيدًا عن العاطفة، لأن الإجابة عليها هي أولى خطوات التصحيح.
الوقت ليس للحزن بل للنهوض
أعلم جيدًا أن سقوط الأهلي شندي صدمة كبيرة لجماهيره، وأن الإحساس بالخذلان يملأ القلوب، لكن كرة القدم لا تمنح وقتًا طويلًا للحزن، بل تفرض عليك أن تنهض بسرعة، تستعد للمرحلة القادمة، وتبدأ العمل فورًا من أجل العودة.
على جماهير الأرسنال أن تتحول من حالة الحزن إلى حالة الفعل، وأن تدرك أن الصراخ في المدرجات والغضب في مواقع التواصل لن يعيد الفريق إلى الممتاز، بل الضغط من أجل تصحيح الأخطاء، والمطالبة بإصلاح الخلل، ودعم الفريق في رحلة العودة، هو ما سيصنع الفارق.
الفرق الكبيرة تنهض بعد السقوط
كم من فرق كبرى عاشت لحظات مشابهة؟ كم من أندية كانت ترهب الخصوم، ثم وجدت نفسها تصارع من أجل البقاء؟ لكن الفرق بين من ينهض ومن يندثر هو القدرة على الاستفادة من الدروس، مواجهة الواقع بجرأة، والاستعداد للتغيير الفعلي.
الأهلي شندي لم يكن مجرد فريق في الممتاز، بل كان قصة من الكفاح والطموح، كان حلمًا تحقق وصمد لسنوات، لكنه اليوم يعيش لحظة اختبار حقيقية، فـالفرق الكبيرة لا تُقاس بعدد انتصاراتها فقط، بل بقدرتها على النهوض بعد السقوط، وعلى العودة بعد الكبوة.
ما المطلوب الآن؟
على إدارة الأهلي شندي أن تدرك أن المرحلة القادمة أصعب من أي وقت مضى، وأن الصعود من جديد يتطلب رؤية واضحة، لا مجرد وعود وشعارات. فـالدوري الوسيط صعب، والممتاز لا يرحم، والتأهل ليس مضمونًا، إلا إذا تمت معالجة الأخطاء سريعًا، وإعادة بناء الفريق على أسس جديدة، بعيدًا عن العشوائية والمجاملات.
لا مجال للتهاون، لا وقت للانتظار، فإما أن يبدأ الأهلي شندي رحلة العودة من الآن، وإما أن يجد نفسه في نفق مظلم لا نهاية له. فكم من فرق هبطت وظلت هناك، وكم من أندية سقطت ولم تفلح في النهوض. لذا، المطلوب الآن ليس البكاء على الأطلال، بل البحث عن حلول حقيقية، واتخاذ قرارات جريئة تُعيد الفريق إلى مساره الصحيح.
الأمل ما زال موجودًا
الأهلي شندي لم يفقد هويته، ولم ينتهِ تاريخه، لكنه يعيش لحظة سقوط يجب أن تكون درسًا قاسيًا، لكنها ليست النهاية. فـالفرق الكبيرة تسقط، لكن العظماء فقط هم من يعرفون كيف ينهضون من جديد.
على مجلس الإدارة أن يضع خطة استراتيجية محكمة، وعلى الجهاز الفني أن يراجع أوراقه، وعلى اللاعبين أن يدركوا أن الشعار الذي يرتدونه لا يستحق منهم إلا القتال، وعلى الجماهير أن تكون السند الحقيقي، ليس بالعواطف وحدها، بل بالدعم، التشجيع، والإصرار على العودة.
لقد كان الأهلي شندي بطلًا ذات يوم، وكان الرقم الصعب في الممتاز، وكان الحلم الذي كبر يومًا بعد يوم، ورغم السقوط، يبقى السؤال الأهم: هل يتحول الأهلي شندي إلى مجرد ذكرى جميلة؟ أم أنه سيعيد كتابة تاريخه بمداد من التحدي؟
إلى أن نلتقي…
16 فبراير 2025م