العودة الطوعية.. انتصار الإنسانية في سوح العطاء – بقلم د. إسماعيل الحكيم
وطن يكتب تاريخه من جديد
حين ينتصر الوطن على محنة ألمّت بأهله، فإن التاريخ يسجّل ذلك بمداد العزة والشموخ. إحدى إفرازات الحرب السلبية كانت التهجير القسري والنزوح المستقصِد من أرضٍ إلى أخرى، في محاولة لاقتلاع الجذور، وكسر الإرادة، وتمزيق الهوية. لكنه كان امتحانًا آخر لصلابة هذا الشعب السوداني الفريد، الذي لم يركن إلى اليأس، ولم يستسلم للضياع، بل أعاد كتابة الحكاية على طريق العودة، حيث لا يعود الناس وحدهم، بل تعود معهم روح السودان، ونبضه المتماسك، وأخوّته التي لم تنكسر رغم المحن.
العودة الطوعية.. شهادة حياة
اليوم، يعود أهل السودان إلى ديارهم، بعد سنوات عجاف من التهجير القسري والنزوح القاسي، في لوحة تراحمية قلّ أن تجد لها مثيلًا. مشهد لا تصنعه السياسات، ولا ترسمه المؤتمرات، بل ينسجه النبل الإنساني، ويحيكه التكافل الفريد الذي لطالما تميّز به هذا الشعب. هنا، لا يعود المرء منفردًا، بل محمولًا على أكف الإخاء، ومستندًا إلى قلوب لم تعرف القسوة، وإلى سواعد حملت عنه ثقل الطريق.
روح العطاء.. نورٌ في ظلام الحرب
لقد عطّلت الحرب كل شيء؛ أوقفت عجلة الإنتاج، أغلقت المصانع، وجعلت الخوف سيد المشهد. لكن شيئًا واحدًا لم ينطفئ، ولن ينطفئ أبدًا.. روح العطاء. فمن رحم المعاناة، خرج أهل الخير، الذين لم ينتظروا قرارًا أو دعوة، بل صنعوا سبل العودة الطوعية، ففتحوا الطرقات، وجمعوا التبرعات طيّبة بها الأنفس، وذلّلوا العقبات، حتى يعود كل نازح إلى داره، إلى ذلك الأمان المفقود، الذي أصبح اليوم حقيقةً تترسّخ مع كل قافلة عائدة.
وحدة السودانيين في محنهم
قد يختلف السودانيون في كل شيء، إلا في حرب الكرامة ولحظات المحن، حيث يصبح السودان كيانًا واحدًا، تتشابك فيه الأيدي، وتتآلف فيه القلوب. فلا عجب أن تكون العودة الطوعية مشهدًا سودانيًا خالصًا، لا تصنعه الحكومات وحدها، بل يصنعه الفقراء قبل الأغنياء، والمحرومون قبل المترفين، أولئك الذين آثروا إخوانهم على أنفسهم، رغم شدة الفاقة، وقسوة الظروف.
معجزة سودانية.. لا تُقهر
إنها معجزة هذا الوطن، الذي لم تستطع الحرب أن تنزع منه روحه الإخائية، ولم تفلح النوازل في كسر صلابته. فمن خرج مُهجّرًا، لم يتركه السودانيون لمصيره، بل وجد الأيادي البيضاء تمهد له طريق العودة، وكأن الوطن ذاته يمشي إليه، يحتضنه، ويقول له: “لم تكن غريبًا يومًا، ولن تكون”.
عودة تعني النصر والسلام
هذه العودة ليست مجرد نهاية لفصل النزوح ووضع عصا الترحال، بل إعلان صريح بأن الحرب تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن السودان بدأ يضمد جراحه، ويستعد لكتابة فصل النصر القريب، بإذن الله تعالى. فحين يعود الناس إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، فهذا يعني أن العاصفة قد هدأت، والطريق إلى المستقبل بات واضحًا، وأن السلام لم يعد حلمًا بعيد المنال، بل واقعًا يفرض نفسه بقوة.
رسالة للعالم.. السودان عصيّ على الكسر
إنها رسالة للداخل والخارج، بأن هذا الشعب عصيّ على الكسر، وبأن السودان الذي أرادوا له أن يتمزق، ها هو يعود ليلتحم من جديد. فالوطن ليس مجرد جغرافيا، بل روحٌ تسكن القلوب، لا تغيب، ولا تضعف، ولا تموت.
شكرًا لصنّاع الأمل
جزى الله خيرًا كل من كان سببًا في هذه العودة؛ كل من أنفق، وسعى، واحتضن، كل من حمل همًّا، أو مد يدًا، أو فتح بيته، فهؤلاء هم من صنعوا فجر السودان الجديد، ورسموا الطريق نحو النصر، الذي بات أقرب مما يظن الجميع، بإذن الله تعالى.
✦ عودًا حميدًا أيها العائدون.. ومرحى لسودان ينتصر بإنسانيته قبل أي شيء آخر.
اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب