رأي إعلامي
أ/شاذلي عبدالسلام محمد
عندما يصبح العدل جريمة.. وحين يكون التمرد “مؤسسة اقتصادية”
في بلاد العجائب السياسية، لا يحتاج الطغاة الجدد إلى تبرير جرائمهم، فهم يملكون أسلوبًا أكثر إبداعا يقتلون ثم يتهمون الضحية بالتمرد، ينهبون ثم يتهمون من يشكو بالفوضى، يحرقون المدن ثم يسألون”لماذا أنتم غاضبون؟” القانون؟ لا حاجة إليه، فالرصاص هو سيد المنطق، والغنائم هي لغة التفاهم الوحيدة….
قالوا لنا “احترموا القانون”، وكأن القانون لم يدفن تحت أنقاض الأسواق المحروقة، وكأننا لم نر جنازته تزف مع ضحاياه في القرى التي أبيدت عن بكرة أبيها، وكأن العدل لم يتحول إلى نكتة سمجة تتردد في مكاتب قادة المليشيات التي قررت أن تصبح “دولة داخل الدولة”. كيف يطلب منا الإذعان لمن يعتبر أرواحنا مجرد بضائع تباع في صفقات الحرب؟ كيف نثق فيمن جعل النهب مؤسسة، والسلب تجارة، والخيانة شرفا عسكريا؟…
عزيزي الكريم لطالما كان الجيش هو العمود الفقري للدولة، رغم كل التحديات، لكنه كان دائما هناك، يقاتل ليبقى الوطن. لم يباع الجيش في مزاد، لم يتحول إلى “مشروع استثماري” برأس مال أجنبي، لم يكن جنوده مرتزقة يجوبون المدن بحثا عن الغنائم، بل كانوا على الدوام حراسا للحدود، ولو كره الطامعون…..
ثم جاء من قرر أن الجيش التقليدي ليس مربحا بما يكفي، فابتكروا جيشا من ورق، بلا عقيدة، بلا شرف، بلا راية، لكنه يملك حسابات مصرفية، ومخازن مسروقات، وآلاف المرتزقة. سموه مليشيا، لكنه ليس سوى “شركة خدمات قتالية”، تقاتل لمن يدفع أكثر، وتغير ولاءها مع كل صفقة سلاح جديدة….
من المفارقات العجيبة أن القتلة صاروا يرفعون شعار المظلومية، واللصوص صاروا يتحدثون عن العدالة، والمتمردون صاروا يتباكون على “غياب الدولة”. أي نفاق هذا؟…
يقال لنا إنهم يقاتلون من أجل الحرية، ولكن منذ متى كان قاطعو الطرق رموزا للتحرر؟ هل الحرية تعني سرقة سيارات المواطنين وبيعها في الأسواق؟ هل تعني نهب المحلات التجارية وتحويل الذهب إلى عملة حرب؟…
في القواميس القديمة التمرد كان يعني رفض الظلم، لكنه صار اليوم يعني “كيف تؤسس دولة وهمية في السوق السوداء؟”، وكيف تسرق باسم الثورة، وتقتل باسم التحرر، وتفاوض على حساب الدماء….
ما الفرق بين الغازي الخارجي والمليشيا؟ لا شيء تقريبا فكلاهما يحتل، ينهب، يبيد، يدمر، ثم يبرر ذلك بأنه جاء لـ “حماية الناس”. لكن الغازي على الأقل لا يدعي أنه ابن البلد، بينما المليشيا تصر على أنها “جزء من النسيج الوطني”، رغم أنها تتغذى على دماء المواطنين، وتقتات من معاناتهم، وتعتبر الدولة مجرد بنك موارد مفتوح للنهب…..
المفارقة أن هؤلاء الذين يريدون السلطة، لا يريدون الدولة. إنهم يجيدون بناء المعسكرات، لكنهم لا يعرفون شيئا عن بناء المدارس. يجيدون نصب الكمائن، لكنهم لا يستطيعون تعبيد طريق واحد. يبرعون في إشعال الحرائق، لكنهم عاجزون عن إضاءة مصباح واحد في ظلام الجهل الذي زرعوه…..
قد يكون الجيش قد ارتكب أخطاء هنا وهناك، لكنه كان ولا يزال درع الوطن. لم يكن تاجر حرب، لم يكن مؤسسة للنهب، لم يكن يدير اقتصادًا موازيًا يقوم على السلب والابتزاز….
اليوم، يريد البعض أن يساوي بين من يدافع عن سيادة الدولة، ومن يريد تفكيكها. يريدون أن يجعلوا الجندي الذي قاتل من أجل تراب بلاده، مساويا لمن باع البلاد لتجار السلاح ومهربي البشر. لكن الفرق واضح: هذا وطنه، وذاك مستأجر عند من يدفع أكثر….
احبتي تحرق المدن، وتباد القرى، وتقطع الطرق، ومع ذلك يريدون منا أن نقف على الحياد. لكن الحياد بين الجندي الذي يدافع عن بلده، والمليشيا التي تسرق بلده، ليس حيادا، بل خيانة…..
منذ أن بدأت هذه المأساة، كان واضحا أن من يحكم بالقهر والنهب لن يحصد سوى العاصفة، وأن هؤلاء الذين يعيشون على الدماء، لن يجدوا في النهاية سوى مصيرهم المحتوم. فالدولة قد تتعثر، لكنها لا تموت، والجيش قد يواجه التحديات، لكنه لا ينهار، أما المليشيا، فمصيرها كمصير كل المرتزقة عبر التاريخ، زوال محتوم ونهاية بلا مجد…..
الي ان نلتقي….
٢٣ فبراير ٢٠٢٥م