رأي إعلامي
مرة أخرى ترفع وزارة الخزانة الأمريكية قلمها المتعجرف لتخط قرارا جديدا في سجل قراراتها الفارغة وكأنها لم تتعلم بعد أن بعض الرجال لا تهزهم قوائم العقوبات ولا تعني لهم تلك الأوراق المختومة شيئا سوى أنها شهادة جديدة على فشل السياسة الأمريكية في فهم الواقع و القرار الأخير الذي استهدف القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان ليس إلا محاولة يائسة من واشنطن لإثبات أنها ما زالت ممسكة بخيوط اللعبة في حين أن الحقيقة تقول غير ذلك تماما…….
عزيزي القارئ في كل مرة تفشل فيها واشنطن في فرض أجندتها على دولة ما تلجأ إلى ما تسميه “العقوبات الاقتصادية” متناسية أن العالم تغير وأن قراراتها لم تعد تحمل نفس الهيبة التي كانت لها قبل عقود و لكنها لا تزال عالقة في عقلية الاستعمار الناعم و متوهمة أن بوسعها إسقاط الأنظمة أو تغيير مسارات الدول عبر قرارات تصدرها مجموعة من الموظفين الجالسين خلف مكاتبهم في واشنطن و لكن ماذا يعني هذا القرار في الواقع؟….
دعونا نحلل الأمر ببساطة ما الذي ستضيفه أو تنتقصه هذه العقوبات؟ هل يملك البرهان حسابات مصرفية في بنوك أمريكا ليتم تجميدها؟ هل لديه شركات مسجلة في نيويورك أو لوس أنجلوس؟ هل هو بحاجة إلى تأشيرة أمريكية حتى يتم منعه من السفر إليها؟ كل هذه الأسئلة تكشف عن سذاجة القرار فالرجل لم يكن جزءا من المنظومة الاقتصادية الغربية حتى يخشى مقاطعتها…..
احبتي بينما تظن الخزانة الأمريكية أنها تحاصر البرهان ماليا يفوت عليها الإدراك الحقيقي لمصدر قوته وهو أنه ليس ممن يعتمدون على الأرصدة في البنوك أو العقارات في أوروبا بل على رصيد أكبر وأعظم و لا يمكن لمكتب في واشنطن أن يصادره فرصيده في قلوب شعبه وثروته في جيشه الذي يحمي السودان من السقوط في مستنقع الفوضى….
واشنطن تتجاهل عن عمد أو عن غباء أن معركة السودان اليوم ليست معركة حساباتٍ بنكية بل معركة وجود والبرهان كقائد عسكري لا يتعامل بمنطق رجال الأعمال الذين يخشون على استثماراتهم بل بمنطق القائد الذي يقاتل حتى النهاية بصرف النظر عن قرارات واشنطن أو مزاج مكتب العقوبات…..
من يتابع أداء قواتنا المسلحة في الميدان يدرك تماما أن القرارات الأمريكية لا تساوي حتى المداد الذي كتبت به فالجيش الذي يقاتل مليشيات مدعومة بأموال وتسليح أجنبي لا يمكن أن يتوقف بسبب قرارات وقعت في غرفة مكيفة في واشنطن فالحرب تحسم في الميدان وليس في مكاتب الخزانة الأمريكية…بل على العكس هذه العقوبات تعطي مؤشرا واضحا على أن الجيش يسير في الاتجاه الصحيح فمنذ متى كانت أمريكا تعادي الجيوش الوطنية التي تحمي بلادها من الفوضى إلا عندما تعجز عن فرض سيطرتها عليها؟ التاريخ مليء بالأمثلة وما يحدث الآن ليس استثناء فواشنطن كانت دائما في صف الفوضى عندما تفشل في السيطرة على الحكومات الوطنية وهذه العقوبات ليست إلا تأكيدا جديدا على ذلك….
الواقع أن واشنطن تراهن على حصان خاسر فهي تعتقد أن الضغط على القادة العسكريين سيؤدي إلى استسلامهم كما حدث في دولٍ أخرى لكنها تتناسى أن السودان ليس ساحة مفتوحة للابتزاز وأن جيشه لا يتلقى أوامره من السفارات بل من ضميره الوطني والتزامه بحماية الأرض والعرض….
عزيزي الكريم هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها أمريكا التدخل في الشأن السوداني لكنها دائما ما تصطدم بصخرة الواقع فقد فشلت عندما راهنت على بعض النخب السياسية التي لم تستطع الصمود أمام حقائق الميدان وفشلت عندما حاولت فرض حلول مصطنعة لا تتماشى مع تركيبة السودان الاجتماعية والسياسية والآن تفشل مرة أخرى حين تظن أن “العقوبات” ستغير موازين المعركة…..
المعركة التي يخوضها الجيش السوداني ليست معركة قرارات دولية بل معركة بقاء وما لم تدركه واشنطن بعد هو أن القرارات لا تصنع النصر بل يصنعه الجنود الذين يثبتون في الميدان والقيادة التي لا تهتز أمام العواصف ولو كانت العقوبات تهزم الدول لكانت روسيا وإيران وكوريا الشمالية قد انهارت منذ سنوات لكنها مجرد أوهام تبيعها واشنطن لنفسها ظنا منها أنها لا تزال تمسك بخيوط اللعبة…لكن الحقيقة أن اللعبة خرجت من يدها منذ زمن والسودان اليوم يرسم مستقبله بأيدي أبنائه لا بقرارات تصدر من مكاتب في واشنطن والبرهان سواء اتفقنا أو اختلفنا معه يظل قائدا يدير معركة وطنية بعيدا عن إملاءات الخارج وهذا وحده كاف ليجعل أي عقوبةٍ ضده عديمة التأثير…
ختاما إذن ماذا سيحدث بعد هذا القرار؟ لا شيء فالقوات المسلحة ستواصل تقدمها والمتمردون سيواصلون التراجع وأمريكا ستواصل إصدار بياناتها البائسة أما البرهان فسيبقى في مكانه يقود معركة لا تحسم بالحبر بل بالحديد والنار وما تكتبه واشنطن لا يساوي عنده أكثر مما يساوي عند أي سوداني يدرك أن المعركة الحقيقية تحسم في ساحات القتال لا في مكاتب الخزانة الأمريكية…فلتكتبوا ما شئتم.. فنحن نكتب تاريخنا بالدم لا بالحبر……
الي ان نلتقي ….
١٧ يناير ٢٠٢٥م