لن نعفو عنهم… وإن تعلقوا بأستار الكعبة المشرفة
بقلم د. إسماعيل الحكيم
ليلة الغفران لمن يستحق
تأتي ليلة النصف من شعبان بنسائم الرحمة، حيث تُفتح فيها أبواب المغفرة، ويسري العفو الإلهي كما يسري النور في الظلام، وكما تنزل قطرات الغيث على أرض عطشى، فتُحيي النفوس، وتجدد الأمل لمن أظلمت قلوبهم بالذنوب.
هي ليلة الصفح والتجاوز والتآخي، حيث يغفر الله لعباده جميعًا، إلا لمن أبى، وهو مشرك أو مشاحن، أو لمن أغلق باب التوبة بيديه، وأصر على الطغيان والعدوان.
في هذه الليلة المباركة، يتسامح المؤمنون، ويتصافحون، ويمحون الضغائن، ويطلبون العفو من الله كما يعفون عن غيرهم…
لكن، أيُّ عفوٍ لمن تلطخت يداه بالدماء؟
كيف نصفح عمن اغتصب الأرض والعِرض؟ كيف نعفو عمن سفك الدم بغير حق؟ كيف نغفر لمن سرق الأمن والأمان من قلوب الأطفال والنساء؟
كيف نفتح لهم باب العفو، وهم لم يتركوا لأهل السودان مجالًا حتى للصفح؟
المغفرة رحمة، لكنها لا تُمنح لمن أصرّ على الظلم والتجبر والتفرعن…
إن من سُنن الله الأكيدة أن رحمته سبقت غضبه، وأن حلمه تجاوز كل جهل، ولكن لمن يستحق، لمن:
ألقى السلاح وتاب
أوقف آلة القتل وظلم العباد
اعترف بجرمه وسعى إلى تصحيحه
أما من استمرأ القتل عمدًا، وجعل الإرهاب مذهبًا، وذبح الأبرياء ذلةً وقهرًا، وسحق المدن تدميرًا، وشرد الآمنين عنوة وقوة… فكيف يُغفر له؟
كيف يُسامَح من لم يُبقِ في القلوب إلا الحسرات، وفي البيوت إلا الدموع، وفي الأوطان إلا الخراب؟
جرائم لا تُغتفر… وذنب لا يُمحى
يقول المصطفى ﷺ:
“إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن.”
وما أعظم الشحناء التي زرعها المجرمون في قلوب أهل السودان!
ليست شحناء فردية، بل جراح مفتوحة في جسد الوطن، نزيف لا يتوقف، ومآسٍ تُروى كل يوم بدماء جديدة، بلا رحمة ولا عطف.
أيها الجنجا، سيأتي عليكم يوم يقف فيه المظلومون في بيت الله الحرام، يرفعون أكفّ الضراعة، يبثون شكواهم إلى الله المنتقم…
غير أن دماء الأبرياء التي أُريقت لن تنساها الأرض، ولن تنساها السماء، ولن ينساها رب الأرض والسماء…
لا عفو عن القتلة والمجرمين!
إن كان العفو سمة أهل الإيمان، فإن هناك حدًّا لا يتجاوزه التسامح…
فلا عفو عمّن جعل من القتل دينًا، ومن الإجرام طريقًا، ومن الخيانة أسلوب حياة.
نعم، ليلة النصف من شعبان ليلة الغفران، لكنها أيضًا ليلة التفرقة بين:
من يستحق الرحمة
ومن أغلق أبواب الرحمة بجرائمه
لن يُرفع الظلم إلا بالقصاص، ولن يعود السلام إلا بزوال الميليشيات الغادرة، ولن تستريح أرواح الشهداء إلا عندما:
يُحاسَب كل قاتل ومجرم
يُقتص لكل مظلوم
هذه ليلة العفو لمن يستحق، لكنها أيضًا ليلة الحساب المؤجل لمن أجرم وظلم…
وإنا لن نعفو عن هذه الميليشيا ومن عاونها جراء صنيعهم فينا…
وإن تعلقوا بأستار الكعبة المشرفة…
رفعت الأقلام… وجفت الصحف.
اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب