رصد | نافذة السودان
أظهرت تحركات حزب المؤتمر الوطني المحلول في السودان خلال الأيام الماضية خلافاً بائنا بين تيارين داخل الحزب الإسلامي الذي حكم البلاد لنحو ثلاثين عاما قبل أن تطيح به ثورة شعبية في ديسمبر 2018.
لم يمر إعلان انتخاب أحمد هارون المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية رئيسا لحزب المؤتمر الوطني وفق مؤتمر الشورى الذي انعقد في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمال البلاد في 13 و14 نوفمبر الجاري، والذي جرى في سرية تامة وإجراءات أمنية مشددة دون اعتراض وملاحظات من التيار الثاني في الحزب بقيادة إبراهيم محمود حامد ونافع علي نافع الذي يتخذ من مدينة بورتسودان مقرا للأنشطة السياسية منذ شهرين.
صعود إبراهيم محمود حامد إلى رئاسة الحزب “المحلول” منذ العام 2021 لم يشفع له بالبقاء في الموقع خلال هذه الفترة حيث واجه الحزب الحاكم سابقا صراعا بين تيارين مثقلين بالخلافات السياسية والأمنية، يقود إبراهيم محمود حامد وزير الداخلية الأسبق ونافع علي نافع نائب البشير السابق ومسؤول الشؤون التنظيمية الأبرز والحاج آدم الذي شغل أيضا منصب نائب رئيس البشير في القصر الجمهوري تيار مناوئ لـ”علي كرتي وأحمد هارون” اللذين يعرفان بالتقارب الشديد مع قادة الجيش خلال الحرب الحالية والدفع بالمقاتلين ضد قوات الدعم السريع.
لم يتمكن الحزب المحلول من صنع زخم كبير لمؤتمر الشورى الذي انعقد في مدينة عطبرة ولم تسمح الأوضاع السياسية لهذا الحزب بإعادة التموضع
باحث في حركات الإسلام السياسي
لم يتمكن الحزب المحلول من صنع زخم كبير لمؤتمر الشورى الذي انعقد في مدينة عطبرة بين 13 و14 نوفمبر الجاري كون البلاد تشهد حربا، ولم تسمح الأوضاع السياسية لهذا الحزب بإعادة التموضع في الخارطة العامة. وفقاً للباحث في حركات الإسلام السياسي محمد الجاك.
ووفق الوثيقة الدستورية الموقعة بين المدنيين والعسكريين في أغسطس 2019، والتي بموجبها شكل الطرفين سلطة انتقالية ما بعد الإطاحة بالبشير في 11 أبريل من نفس العام، فإن المؤتمر الوطني الحزب الحاكم لحكومة المعزول عمر البشير حُلّ.
يقول الباحث في قضايا الحركات الاسلامية محمد الجاك لـ(عاين): إن “حزب المؤتمر الوطني يعاني حالة سيولة وذروة من الصراع التي انعكست على حزب كان يوما يتفاخر بحشد ملايين الأعضاء وهو في السلطة“.
وأضاف: “المؤتمر الوطني اعتاد على حزبنة الدولة، وعندما اختبر نفسه خلال مؤتمر الشورى غير المكتمل هذا الشهر لم يجد ما يفعله وتصرف بتخبط شديد؛ لأنه لم يؤسس لخطاب جديد يمنح الأمل في مرحلة ما بعد الحرب ولم يحدد مستقبله مع العسكريين في الجيش؛ لأنه يعاني سلسلة أزمات داخلية مثل التيارات التي تتجه نحو الانشقاق وخطوط التقارب بينها بعيدة جدا“.
الجنائية تقلل فرص هارون
فيما يوضح مصدر مطلع على مداولات مؤتمر الشورى في حديث لـ(عاين) أن القيادي ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور يقود مساع لتجنب انشقاق بين التيارين المتصارعين بقيادة علي كرتي وهارون من جهة ضد نافع علي نافع وإبراهيم محمود حامد من جهة أخرى.
وأضاف المصدر “يعتقد التيار الذي يقوده نافع أن إبراهيم محمود حامد هو الأجدر بالانتخاب؛ لأن هارون لديه إخفاقات خاصة وأنه لم يتحرك لمنع الإطاحة بالبشير عندما شارك في اجتماع مع زعيم حزب الأمة الراحل الصادق المهدي الذي كان يتزعم المعارضة المدنية في ذلك الوقت عندما اجتمع مع صلاح عبد الله الشهير بقوش مدير المخابرات قبل ساعات من عزل البشير“.
ويضيف المصدر قائلا: إن “الإجراءات الأمنية حول أحمد هارون زادت خلال الأيام الأخيرة لتجنب استهدافه أو اغتياله عقب انتشار معلومات حول محاولة اغتياله بعد ساعات من مداولات مؤتمر الشورى في عطبرة عاصمة ولاية نهر النيل“.
وأردف: “هارون شارك في اجتماع الشورى، وهو خرج من السجن نهاية أبريل 2023 تحت حماية السلطات العسكرية، ويتحرك داخل البلاد خاصة شرق وشمال السودان تحت علم وبصر الجيش“.
ويرى المصدر، أن هذه التطورات السياسية في حزب المؤتمر الوطني “المحلول” سيما تيار كرتي – هارون أدت إلى استهداف مدينة عطبرة بسرب من المسيرات اعتبارا من 19 وحتى 24 نوفمبر الجاري. ويقول: إن “هذه التطورات الأمنية مرتبطة باجتماعات حزب المؤتمر الوطني في هذه المدينة التي اتخذها تيار هارون وكرتي مقرا للأنشطة السياسية والتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية“.
تفاقم الخلاف ينهي الشورى
يكشف عضو في لجنة تفكيك التمكين بولاية نهر النيل، وهي هيئة انتقالية جمد قائد الجيش عملها في العام 2021 عندما انقلب على المدنيين، معلومات عن مؤتمر الشورى في عطبرة مشيرا إلى أن أعماله كانت محدودة للغاية، واكتفى بتكليف أحمد هارون رئيسا للحزب حتى وقت آخر، وانعقد في عطبرة في 14 نوفمبر الجاري وسط رياح عاتية من الخلافات التي تكاد تعصف بالحزب نفسه.
ويوضح عضو هيئة التفكيك أن اللجنة التي يقودها والي شمال دارفور الأسبق والقيادي في حزب المؤتمر الوطني “المحلول” محمد عثمان يوسف كبر، تعمل على خلق تفاهمات بين التيارين للوصول إلى أرضية مشتركة تتيح الإعلان عن إجراءات جديدة مثل انتخاب رئيس الحزب ومقررات الحزب وموقفه من الحرب وحكومة تصريف الأعمال.
الرغبة التي تسيطر على المؤتمر الوطني حسم الحرب عسكريا أو إضعاف الدعم السريع عسكريا ومن ثم التفاوض معه على السلطة
ويعتقد عضو لجنة التفكيك، إن الرغبة التي تسيطر على المؤتمر الوطني في الوقت ليست حل الخلافات الداخلية فقط، بل حسم الحرب عسكريا على الأقل إلى حدود إضعاف الدعم السريع عسكريا في الخرطوم والجزيرة ومحاصرته في إقليم دارفور مع التفاوض في ذلك الوقت على السلطة وإدارة البلاد.
وحسب التسريبات الصادرة من مؤتمر الشورى، فإن التيار الذي انتخب أحمد هارون المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية رفض اعتراض مجموعة المهندس إبراهيم محمود حامد سيما وأن هارون مطلوب للجنائية، وليس بإمكانه لعب دور كبير في المستقبل أي فترة ما بعد الحرب سواء انتهت بالمفاوضات أو (الحسم العسكري- التفاوض)، وفق المصدر الذي تحدث لـ(عاين).
هارون ومغازلة الجيش
ويرى المحلل السياسي محمد مكين أن تيار أحمد هارون وكرتي هو الذي لديه “الصوت العالي” داخل الحزب “المحلول” لاعتبارات كثيرة أبرزها أن هذا التيار مقرب من الجيش، ويحظى في ذات الوقت بدعم من الرئيس السابق عمر البشير ولديه سرعة الاستجابة لمتطلبات الحرب بدفع الشبان إلى ساحات القتال أولئك الذين لديهم ولاء مطلق للإسلاميين.
محلل سياسي
وتابع “ومع ذلك لا يمكن اعتبار التقارب بين الجيش وتيار كرتي مستداما؛ لأن الوضع داخل المقصورة العسكرية يتبدل من وقت إلى آخر حسب مجريات الحرب بالتالي كل تيار يحاول تقديم نفسه للجيش على أنه الأجدر بالتقارب“.
ولا يستبعد المحلل السياسي محمد مكين، تأثير صراع التيارات داخل حزب المؤتمر الوطني “المحلول” على الأجهزة الأمنية والعسكرية بتحويل جهاز المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية إلى جزر معزولة.
وتابع “يملك تيار هارون وكرتي النفوذ الأكبر داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومن الواضح أن هارون لديه تقارب مع شمس الدين الكباشي نائب القائد العام للجيش وعضو مجلس السيادة لذلك خطورة هذا الصراع أنه قد ينعكس على الأجهزة والأمنية“.
وأردف “المؤتمر الوطني حاليا يمارس الضغوط على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للسماح للرئيس المعزول عمر البشير بمغادرة محبسه السري في مدينة مروي شمال البلاد والسفر إلى قطر تحت مبرر العلاج، وأن يكون دائما مقيماً هناك“.
ويقول مكين: إن “التطورات داخل حزب المؤتمر الوطني المحلول تظهر نوعا من تحلل هذا الحزب نتيجة ضربات متلاحقة تلقاه قبل وبعد ثورة ديسمبر”. ولفت إلى أن التيارين المتصارعين داخل الوطني لا يقدمان خطابا جديدا للرأي العام حول الحرب وعما إذا كان السودان سيبقى موحدا كما كان قبل 15 أبريل 2023.
وتابع “بشكل عام لا يمانع الوطني المحلول في التفاوض مع قوات الدعم السريع وتقاسم السلطة بينهما وعزل القوى المدنية، وربما تكون بعد منتصف العام 2025؛ لأن الجيش قد يتمكن خلال الأشهر القادمة من تغيير موازين القوة على الأرض“.
وقت غير مناسب
الاستحقاق الداخلي الذي أجراه تيار كرتي وهارون بعقد مؤتمر الشورى وانتخاب الثاني والمطلوب لدى المحكمة الجنائية منتصف هذا الشهر قوبل باعتراض مجموعة إبراهيم محمود حامد ونافع علي نافع تحت مبررات أن الوقت غير مناسب لهذه العملية؛ لأن أغلب أعضاء الحزب خاصة الشباب والرجال منخرطون في القتال مع القوات المسلحة وفق بيان صدر قبل ساعات من انعقاد المؤتمر في 11 نوفمبر الجاري.
ويقول المحلل السياسي مصعب عبد الله، أن “تيار هارون وكرتي هو الأقرب للتحالف مع الجيش باعتبار أن الرجلين لهما علاقة بحشد المقاتلين في الكتائب المتحالفة مع الجيش خلال الحرب ضد قوات الدعم السريع“.
وتابع “معروف عن أحمد هارون صناعته لقوات الاحتياطي المركزي المتهمة بارتكاب انتهاكات المدنيين في إقليم دارفور وهو ما قاده إلى أن يكون مطلوبا لدى الجنائية، وشارك أيضا في فض اعتصام القيادة العامة في أبريل 2019 بجلب الكتائب الأمنية من شمال كردفان لذلك دائما ما يقدم وعودا لقادة الجيش بتجهيز الكتائب العسكرية المتحالفة مع القوات المسلحة“.
فقدان القيمة السياسية
ويرى مصعب عبد الله، أن تيار إبراهيم محمود حامد ونافع علي نافع ليس قريبا من الجيش، وليس بعيدا في ذات الوقت، لكن هذا التيار يقود “عقلنة العمل السياسي” عكس تيار كرتي وهارون الذي يسيطر عليه التطرف في التعامل مع القوى السياسية.
محلل سياسي
وأردف “كلا التيارين لا يمكنهما أن يستمرا طويلا بهذه الطريقة؛ لأن الجيش يتعامل معهما كضرورة مرحلية فقط وتصريحات البرهان في بورتسودان الأسبوع الماضي تظهر نوعا من الرغبة في خلق التوازن فقط عندما دعا إلى التهدئة داخل حزب المؤتمر الوطني وعدم الإصرار على عقد المؤتمر“.
ويوضح المحلل السياسي مصعب عبد الله أن المؤتمر الوطني “المحلول” فقد قيمته السياسية عندما أطاحت به ثورة ديسمبر عن السلطة وما يفعله خلال السنوات الأخيرة سواء خلال الفترة الانتقالية أو خلال الحرب الحالية مجرد مغازلة لقادة الجيش وفرض الكتائب العسكرية للتحالف مع القوات المسلحة.
وتابع “أعتقد الوطني فقد الثقل السياسي لم يعد له أي عمل ملموس يمكن من خلاله إيجاد موطئ قدم له في الساحة، على الرغم من حصوله على الحماية من الأجهزة الأمنية والعسكرية داخل البلاد، إلا أنه ما زال حزبا حبيسا لدى الماضي، ولم يطور خطابه وطريقة تفكيره“
شبكة عاين