رأي إعلامي
جلاء في الميدان.. وانتصار في الزمان
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد
كأن التاريخ قد انتفض من ركام الانتظار ليسجل بمداد النور ما تحقق بالأمس، حين دوّى في أرجاء بربر صدى نصر يليق بالمجد؛ نصر خطّته أقدامٌ مؤمنة بأن للكرة روحًا، كما للأوطان كبرياء. لم يكن اللقاء مجرد مباراة تُلعب، بل كان اختبارًا لقدرة الإرادة على كتابة فصولها في كتاب العز، حيث تقف الفرق بين صفحتي المجد والنسيان، ويكون على اللاعبين أن يختاروا مصيرهم بعرقهم واجتهادهم.
في استاد بربر، حيث العشب يروي حكايات التحدي، وحيث الجماهير تشعل وهج الحماس، كان الجلاء على موعد مع انتصارٍ لم يكن مفاجئًا، بل كان نتيجةً حتميةً لعمل دؤوب وإصرار لا يعرف الوهن. دخل الفريق أرض الملعب كأنه جيش يعرف أن لا مجال للتراجع، فكانت الأقدام تتحرك بانسيابية تعبر عن ثقة لم تهتز، وكانت العيون تلمع برغبة لا تلين.
لم يمض وقت طويل حتى جاء الهدف بقدم محمد بابو، وكأن الكرة لم تكتف بأن تدحرج إلى الشباك، بل كانت تعلن بيان النصر قبل أن ينتهي اللقاء! هدف حمل في طياته كل معاني العمل الجماعي، وكل تفاصيل العزيمة التي تجعل لحظة واحدة تختصر ساعات من التدريب، وتجعل ثانية واحدة تحكي قصة جيل لا يعرف إلا لغة الانتصار.
أما الشمالية الدامر فقد حاولت أن ترد، حاولت أن تكتب سطرًا في هذه الرواية، لكن دفاع الجلاء كان سدًا منيعًا، وحارسه كان جدارًا لا يُخترق. لم يكن الأمر مجرد مواجهة بين فريقين، بل كان أشبه بصراع بين:
الفكرة والقوة الطموح والإعداد الرغبة في التسجيل والحصانة الدفاعية التي لا تسمح حتى بالاقتراب من الشباك
وكما هو الحال في كل الانتصارات الكبرى، لم تكن الفرحة مجرد احتفال، بل كانت لحظة يتجسد فيها الانتماء؛ لحظة تقول فيها الجماهير:
“هذا فريقنا، وهذه مدينتنا، وهذا نصرنا الذي لن يُنسى!”
كانت الهتافات تتعالى كأنها أهازيج نصر قديم، وكانت القلوب تنبض بإيقاع المجد، وكأن بربر تعود من جديد إلى أمجادها الكروية.
اليوم، يرتفع الجلاء بنقاطه، لكنه يرتفع أكثر في ذاكرة جماهيره، يعزز صدارته في الترتيب، لكنه يرسّخ مكانته في قلوب عشاقه. وما هذا الفوز إلا خيط آخر ينسج في ثوب المسيرة نحو الأفق البعيد، حيث:
لا مكان إلا لمن يجرؤ على الحلم ولا مستقبل إلا لمن يكتبه بالعرق والكفاح
هذا النصر لم يكن محض صدفة، ولم يكن وليد لحظة عابرة، بل كان:
ثمرة عمل شاق وسهر طويل وتخطيط محكم نتاج تضحيات لاعبين حملوا على عاتقهم مسؤولية تمثيل مدينتهم بأفضل صورة إبداع مدرب لم يترك مجالًا للصدفة وفاء جمهور كان اللاعب رقم “12” في الملعب، يمنح الفريق دفعة من الروح التي لا تُقدّر بثمن
هنيئًا لأخضر الهجانة، هنيئًا لكل عاشق آمن بأن هذه القلعة لن تنهار، ولن تخذل جماهيرها.
فاليوم هو يوم الفرح، لكن غدًا هو يوم جديد في مسيرة طويلة نحو المجد، لأن الانتصار الحقيقي ليس في مباراة واحدة، بل في مشوار يُكتب بالأداء والإخلاص، حيث يبقى الجلاء اسمًا محفورًا في ذاكرة الكرة السودانية:
شامخًا كأهل بربر ثابتًا كثبات نهر النيل ومتجددًا كأمل لا ينطفئ
إلى أن نلتقي…
٢١ فبراير ٢٠٢٥م
اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب