بين الركام: أمة على مفترق الطرق… فهل ننهض أم نندثر؟ بقلم – شاذلي عبدالسلام محمد

شاذلي عبدالسلام محمد

رأي إعلامي
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد

بين الركام

🔹 حين تنهار الأمم لا يكون الانهيار مجرد حدث عابر، بل هو نتيجة تراكم طويل من القرارات والأفكار والسلوكيات التي قادت إلى نقطة الانفجار. تتحول المدن إلى أطلال، وتصبح المؤسسات أشباحًا لذواتها، ويتشظى النسيج الاجتماعي إلى جماعات متصارعة، كل منها يرى أنه صاحب الحق المطلق.

عند هذه اللحظة الفاصلة، يجد المجتمع نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما:

إما أن يختار إعادة البناء من تحت الأنقاض، فينهض أقوى مما كان. أو أن يستمر في دوامة التمزيق الذاتي حتى لا يبقى منه شيء سوى الحكايات عن ماضٍ مجيد لم يحافظ عليه أحد…

🔹 عزيزي القارئ، إنها معادلة وجودية قاسية، لكنها صادقة في بساطتها. لا توجد أمة سقطت ولم تجد أمامها هذه المفترقات:

اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ألمانيا بعد النازية. رواندا بعد الإبادة الجماعية.

كلها أمثلة لأمم كانت على حافة الفناء، لكنها اختارت أن تنظر إلى الأمام بدلًا من أن تبقى رهينة الماضي. لم يكن الطريق سهلًا، ولم يكن الانبعاث حتميًا، لكنه كان خيارًا واعيًا تم اتخاذه في لحظة إدراك عميقة: إما أن نحيا أو أن نمحى…

🔹 أحبتي، ما قاله الكاتب الصحفي عثمان ميرغني في تدوينته ليس مجرد تذكير بإمكانية النهوض، بل هو وضع للمجتمع أمام مرآة الحقيقة الصارخة:

نحن نملك القدرة على بناء وطن أعظم مما كان، لكننا نملك كذلك القدرة على تمزيقه والعيش على أطلاله.

والمفارقة أن كلا الخيارين يتطلب جهدًا وإرادة:

فالأوطان لا تسقط من تلقاء نفسها، بل حين يقرر أبناؤها أن يكونوا أدوات للهدم. كما أنها لا تُبنى بالسحر، بل تحتاج إلى إرادة صلبة تؤمن بأن المستقبل لا يُصنع بالحنين إلى الماضي، بل بالعمل في الحاضر.

🔹 إعادة البناء لا تعني فقط ترميم الجدران وإصلاح الطرقات، بل تعني أولًا إعادة بناء العقول والنفوس. الخراب الحقيقي لا يبدأ في الشوارع، بل في الأفكار والمعتقدات التي ترسّخ الانقسام وتبرّر الفشل.

من يحلم بوطن جديد، عليه أن يبدأ بإعادة بناء وعيه، بتجاوز عقلية الضحية، ورفض ثقافة التبرير، والنظر إلى الواقع كما هو، لا كما نتمناه. فالأمم العظيمة لا تُبنى على الشكوى، ولا تقوم على الاتهامات المتبادلة، بل تنهض حين يدرك كل فرد أنه مسؤول عن دوره مهما كان صغيرًا.

🔹 إن من يعيشون فوق الركام ليسوا بلا موارد، بل بلا رؤية. الطوب موجود، والإرادة البشرية قادرة على البناء، لكن العائق الحقيقي هو ذلك الصوت الداخلي الذي يهمس دائمًا بأن المهمة مستحيلة، وأن الخراب أكبر من قدرتنا على إصلاحه.

هذا الصوت هو العدو الحقيقي، لأنه يجعلنا نتقبل فكرة الانحدار وكأنها قدر لا مفر منه. لكن الواقع يقول عكس ذلك، فالتاريخ مليء بأمم نهضت رغم الدمار، وأخرى انهارت رغم وفرة الموارد. الفرق لم يكن في الإمكانيات، بل في الإرادة…

🔹 إن كان لنا أن نستفيد من دروس التاريخ، فهو أن الحطام ليس نهاية الطريق، بل مجرد مرحلة انتقالية. يمكننا أن نحوله إلى قاعدة ننهض منها، أو أن نتركه يتكاثر حتى يغمر كل شيء. الخيار في أيدينا، والمسؤولية علينا:

إما أن نكون ورثة الرماد، نقضي أعمارنا في البكاء على الماضي. أو أن نكون مهندسي المستقبل، نحمل المعاول ونبدأ بإعادة البناء، حجرًا بعد حجر، مهما بدت المهمة صعبة.

🔹 في النهاية، بين الركام هناك طريقان لا ثالث لهما:

إما أن نكون أبناء الحطام، نحفر قبورنا في أسفله ونعيش على فتاته. أو أن نكون مهندسي الخلاص، نحمل إرث الدمار ونحوله إلى أعمدة تشيّد بها الأوطان.

والتاريخ لا يرحم المترددين…

🔹 إلى أن نلتقي…

📅 ١ فبراير ٢٠٢٥م

اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب

مقالات ذات صلة

IMG 20241210 WA0015

أئمة الدعوة في حرب الكرامة… جهاد بالكلمة والسلاح بقلم د. إسماعيل الحكيم

IMG 20241210 WA0015

الشهادة السودانية الثانوية: تحدٍ يكتبه التاريخ

شاذلي عبدالسلام محمد

شاذلي عبدالسلام محمد يكتب|محزن حقًا…حين يتحول التخرج إلى استعراض للمظاهر!

اسماعيل الحكيم

إسماعيل الحكيم يكتب – ومَنْ أحياها فكأنما أحيا النّاس جميعًا