أ/ شاذلي عبدالسلام محمد يكتب – الاستقلال بين الحلم والواقع.. متى نصبح أحراراً حقاً؟

IMG 20241214 WA0001

رأي إعلامي – أ/ شاذلي عبدالسلام محمد

أهنئ الجميع بالذكرى التاسعة والستين لاستقلال السودان، وأتمنى أن يكون هذا العام مختلفاً، عام يُعاد فيه بناء السودان ليصبح وطناً مستقلاً ليس فقط جغرافياً، بل كياناً قادراً على تحقيق طموحات أبنائه. ولكن، مع كل تهنئة، تقفز إلى الذهن تساؤلات تثقل الوجدان: متى يتحول الاستقلال إلى واقع ملموس؟ متى نصبح أحراراً حقاً، ليس فقط من قيود الاستعمار، بل أيضاً من قيود الفقر، التبعية، والأزمات المتكررة؟

خطابات الاستقلال… تسجيل متكرر

أثناء استماعي لخطاب الفريق أول البرهان هذا العام، شعرت وكأن الزمن قد توقف. قال: “تمر على بلادنا الذكرى الـ69 للاستقلال في ظل ظروف صعبة.” لم تكن هذه الكلمات جديدة؛ إنها ذات العبارات التي سمعناها على مدى ستة عقود، بنفس النبرة والإشارة إلى أزمات لم تُحل. شعرت وكأنني أستمع إلى تسجيل قديم يعاد تشغيله كل عام، مع اختلاف الأسماء والوجوه فقط.

عادت بي الذاكرة إلى خطابات الاستقلال الأولى، حين كان الأمل يملأ النفوس، والأحلام تكبر مع كل عبارة. كنا نحلم بوطن يديره أبناؤه، تتحقق فيه العدالة الاجتماعية، وتوظف موارده لخدمة شعبه. لكن، بعد 69 عاماً، هل تغيّر شيء؟

الاستقلال: بداية وليست نهاية

رفع العلم السوداني في 1956 كان البداية، لكنه لم يكن النهاية. الاستقلال بمعناه العميق ليس مجرد حدث نحتفل به أو كلمات في خطابات رسمية، بل هو حالة تحرر شامل من الفقر، الجهل، والتبعية التي تجعلنا أسرى لغيرنا. للأسف، الاستقلال في حالتنا ظل حبيس الإطار الرمزي دون أن يتحول إلى واقع ملموس.

خطاب البرهان ذكّرني بخطابات الرؤساء السابقين. جميعهم تحدثوا عن “الظروف الصعبة” و*”التحديات التي تواجه البلاد”*. لكن هذه الكلمات لم تترجم يوماً إلى أفعال حقيقية. فهل أصبحنا أسرى لتكرار ذات العبارات دون البحث عن حلول جذرية؟

السودان… ثروات بلا إدارة رشيدة

السودان بلد غني بموارده الطبيعية وعقول أبنائه. لكنه، على مدى عقود، افتقر إلى الإدارة الرشيدة التي تحول هذه الثروات إلى إنجازات. كنا دائماً نعيش على وعود التغيير، لكن التغيير الحقيقي ظل بعيد المنال.

خطاب البرهان ليس إلا انعكاساً لحالة الركود الفكري والسياسي التي تثقل كاهلنا منذ عقود. التغيير لن يأتي بمجرد تبديل الخطابات أو تغيير الوجوه. إنه يتطلب ثورة في الفكر والعمل.

الاستقلال الحقيقي يبدأ من الداخل

الاستقلال الحقيقي يبدأ عندما نعيد تعريف علاقتنا بهذا الوطن. عندما ندرك أن الحرية ليست شعاراً، وأن الكرامة الوطنية لا تتحقق بالخطب الرنانة، بل بالعمل الجاد، التخطيط المدروس، والإرادة الصادقة التي تربط الأقوال بالأفعال.

المسؤولية مشتركة

أثناء الاستماع إلى الخطاب، شعرت بثقل المسؤولية الملقاة علينا كشعب. القيادة وحدها لا تستطيع إخراج البلاد من أزماتها. نحن بحاجة إلى وعي أكبر بمسؤولياتنا واستعداد أكبر للمساهمة في بناء وطننا.

ختاماً… هل نرى تغييراً؟

الاستقلال ليس ذكرى نحتفل بها كل عام، بل عملية مستمرة تتطلب جهداً يومياً وإرادة جماعية. علينا التخلي عن حالة الانتظار التي تسجننا، والبدء في العمل من أجل سودان يليق بأحلامنا.

فهل سنرى في الذكرى السبعين خطاباً مختلفاً، يتحدث عن إنجازات حقيقية وأزمات تم تجاوزها؟ أم أننا سنظل نكرر نفس العبارة: “تمر علينا الذكرى في ظل ظروف صعبة”؟

هذا هو السؤال الذي يجب أن نواجهه بصدق، لأن الإجابة عليه ستحدد إذا ما كنا سنبقى عالقين في الماضي أم سنبدأ أخيراً في بناء مستقبل جديد.

كل عام والجميع بخير، والوطن بأمن وأمان.
إلى أن نلتقي…

اضغط هنا للإنضمام الي مجموعاتنا في واتساب

مقالات ذات صلة

IMG ٢٠٢٤٠٧٢٩ ١٢٤٦٠٦

مبادرة أركويت للحوار بين خيال صاحب التيار وواقعية المشهد السياسي

1e97acff 9c5f 4a78 be57

السودان بين فكي المؤامرات والصراعات … من ينتصر للوطن؟

IMG 20241214 WA0001

أفراح تتحول إلى مآسي!

IMG 20241210 WA0015

الشهادة السودانية الثانوية.. تحدٍ يكتبه التاريخ