رأي إعلامي /أفراح تتحول إلى مآسي!
شاذلي عبدالسلام محمد
سوط عنج ٢
في ليلة مقمرة من ليالي الشتاء، حيث البرد يلف المنازل بأطرافه الناعمة، شهدت القرية حفل زفاف يشبه تلك التي تروى في الحكايات. الساحة تزينت بزينة بدائية، وألحان الطبول تعلو لتثير الحماس في النفوس. اجتمع الناس من كل حدب وصوب، يرتدون أجمل ثيابهم، وأطفالهم يركضون في كل اتجاه، تتشابك ضحكاتهم مع موسيقى الاحتفال. كان كل شيء يوحي بفرح خالص… حتى تلك اللحظة المشؤومة.
في ذروة الفرح، رفع أحدهم بندقيته إلى السماء وأطلق طلقات نارية، كأنه يحتفل بنصرٍ كبير. انفجرت الطلقات في الهواء، معلنةً أن الأرض تغمرها السعادة. لكن فجأة، صمت الجميع. رصاصة طائشة أوقفت ضجيج الحفل، تلاها صراخ امرأة. هرع الجميع ليجدوا طفلاً ملقىً على الأرض، وجهه الأبيض ملطخ بالدماء. تحول الزفاف إلى مأتم، وحلت الكارثة مكان الفرح.
ثقافة الموت المغلوط
عزيزي القارئ، ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في الأفراح ليست سوى امتداد لعقلية ترى في السلاح رمزاً للقوة والهيبة. هي صورة حديثة من “سوط العنج”، ذلك السلاح القديم الذي استخدمه الأجداد للسيطرة وردع الخصوم. لكن اليوم، ورغم تغير الأزمنة والسياقات، أصبحت هذه العادة تعبيراً مغلوطاً عن الفرح، يحمل الموت في طياته.
ما الذي يدفع البعض لتحويل لحظات الفرح إلى استعراض للقوة؟ هل السعادة تحتاج إلى صوت الرصاص؟ أم أننا في أعماقنا لم نتخلَّ عن تلك النزعة البدائية التي ترى في إطلاق النار إثباتاً للرجولة والمكانة الاجتماعية؟
بين البهجة والمأساة، كم من الزغاريد تحولت إلى صرخات؟ وكم من الأفراح التي أعدت لتكون ذكرى جميلة أصبحت أوجاعاً أبدية؟ الأعيرة النارية التي تطلق في الهواء لا تعرف أهدافها، فهي تعود إلى الأرض محملة بخطر غير متوقع، وغالباً ما تصيب أبرياء كانوا في المكان الخطأ والزمان الخطأ.
الفرح لا يحتاج إلى الموتى
القضية ليست مجرد عادة اجتماعية سيئة، بل هي انعكاس لفهم خاطئ للفرح. الفرح الحقيقي لا يحتاج إلى الموتى لإثبات وجوده، والاحتفالات يجب أن تكون ساحات للحياة، لا مسارح للمآسي.
لا يمكن معالجة هذه الظاهرة إلا إذا بدأنا بمساءلة أنفسنا: لماذا نحتفل بطريقة قد تنهي حياة الآخرين؟ لماذا نقبل بتحويل أفراحنا إلى لحظات مهددة بالخطر؟ الحل يبدأ بتغيير هذه الثقافة من جذورها، وهو تغيير يحتاج إلى وعي جماعي وإرادة حقيقية.
الإعلام يمكن أن يكون أداة فعالة لتوعية الناس بخطورة هذه الظاهرة. كذلك، فإن القوانين التي تجرم إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات ضرورية، لكنها وحدها لا تكفي. ما نحتاجه هو إعادة صياغة مفهوم الفرح، بحيث يكون مرتبطاً بالأمان والسلام، وليس بالضجيج والمخاطرة.
رسالة من القلب
من خلال زاويتي هذه، أوجه رسالة إلى كل من يحمل السلاح في لحظة فرح: تخيل للحظة أن تلك الطلقة الطائشة قد تنهي حياة أخيك، صديقك، أو طفل بريء لم يشارك في الحفل سوى بابتسامة. هل يمكن حينها للفرح أن يبقى فرحاً؟ أم يتحول إلى ذكرى سوداء تطاردك مدى الحياة؟
دعونا نكسر هذه السلسلة من الجهل المتوارث. استبدلوا أصوات البنادق بألحان الموسيقى، وضجيج الطلقات بضحكات الأطفال. لنكن مجتمعاً يحتفي بالحياة، لا بمجرد مظاهر زائفة تحمل الموت في طياتها.
فالفرح لا يقاس بما نحمله من أسلحة، بل بما نزرعه من حب وسلام.
إلى أن نلتقي…