حقق الجيش السوداني، خلال يومي الجمعة والسبت، إنجازًا استراتيجيًا بفك الحصار عن مقر قيادته العامة في الخرطوم، والذي استمر منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. كما تمكن من السيطرة على مصفاة النفط في الجيلي شمالي الخرطوم بحري، ما اعتبره الخبراء لحظة فاصلة في مسار الحرب الممتدة لعامين بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ساعة الصفر: كيف خطط الجيش للهجوم؟
عند الخامسة مساءً بتوقيت السودان، اكتمل تنفيذ خطة عسكرية محكمة، حيث تحركت ثلاث قوى رئيسية من الشمال باتجاه مقر القيادة العامة، وهي:
1. قوات قيادة الأسلحة من منطقة الكدرو بالخرطوم بحري.
2. قوات وادي سيدنا شمالي أم درمان.
3. قوات سلاح المهندسين جنوب أم درمان.
التقت هذه القوات بقوات سلاح الإشارة جنوب الخرطوم بحري، والتي كانت الرابط الأساسي مع القيادة العامة عبر جسر النيل الأزرق. جاء هذا التحرك بعد عام وتسعة أشهر من الحصار، ما جعل لحظة فكّه محط احتفاء واسع بحضور القائد العام للجيش وكبار الضباط.
رد فعل قوات الدعم السريع: الإنكار والمفاجأة
مع انتشار أنباء فك الحصار، التزمت قوات الدعم السريع الصمت لفترة، قبل أن ينفي الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، هذه الأخبار، واصفًا إياها بـ”الأكاذيب”. في المقابل، تحدّت شخصيات من الدعم السريع الجيش السوداني بأن يُصدر بيانًا رسميًا.
استجاب الجيش سريعًا، فأصدر بيانًا مقتضبًا أكد فيه نجاح العملية، وسط توقعات بأن يلقي القائد العام عبد الفتاح البرهان خطابًا رسميًا من مقر القيادة العامة فور استكمال الترتيبات الأمنية.
حصار القيادة العامة: مناورات ومعارك شرسة
منذ اندلاع الحرب، تعرض مقر القيادة العامة لهجوم عنيف من قوات الدعم السريع، التي كانت تسعى للسيطرة عليه وإعلان انقلاب سياسي سريع. لكن التحصينات العسكرية، إلى جانب استبسال قوات الحرس الجمهوري، أحبطت المخطط.
في أغسطس 2023، نجح القائد العام عبد الفتاح البرهان في مغادرة المقر عبر عملية سرية، لكن الحصار ظل قائمًا، مما أجبر الجيش على الاعتماد على الطائرات المسيّرة لإيصال الإمدادات الطبية، والإسقاط الجوي لتوفير الغذاء للمحاصرين.
استراتيجيات فك الحصار: خيارات معقدة وطرق مسدودة
على مدار الأشهر الماضية، وضع الجيش خططًا متعددة لفك الحصار، منها:
1. العبور عبر جسر شمبات: تم التخلي عنها بعد تدمير أجزاء من الجسر في نوفمبر 2023.
2. استخدام جسر الإنقاذ: تقدمت القوات إلى مشارف الجسر في سبتمبر، لكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة وتراجعت إلى فندق هيلتون.
3. التقدم عبر جسر الحلفاية: كان الخيار الأكثر واقعية، حيث تحركت القوات من وادي سيدنا والتحمت بقوات الكدرو، وصولًا إلى سلاح الإشارة في بحري، وهو ما تم تنفيذه بنجاح مساء السبت.
إشراف البرهان وتحركاته السرية
تابع البرهان العملية عن كثب، متنقلًا بين وادي سيدنا والكدرو، قبل أن يعود سرًا إلى أم درمان فجر الجمعة ليشرف شخصيًا على العملية. أدى صلاة الجمعة في بلدة الشيخ الكباشي شمال الخرطوم، قبل أن ينتقل إلى الخطوط الأمامية في الجيلي، حيث تمت السيطرة على المصفاة والقواعد العسكرية المجاورة.
مفاضلة بين هدفين: القيادة العامة أم مصفاة النفط؟
كانت القيادة العسكرية أمام خيارين حاسمين:
1. فك الحصار عن القيادة العامة لتعزيز معنويات الجيش وإحكام السيطرة على العاصمة.
2. السيطرة على مصفاة النفط لتأمين الموارد الحيوية.
رجّحت القيادة الخيار الأول، ما أدى إلى انسحاب قوات الدعم السريع من المصفاة تلقائيًا، وفق مصدر عسكري.
تكتيكات عسكرية معقدة: ثلاث مسارات نحو الهدف
اتخذ الجيش ثلاثة مسارات رئيسية خلال الهجوم:
1. المسار الغربي: بمحاذاة نهر النيل، وصولًا إلى جسر شمبات.
2. المسار الشرقي: عبر كافوري وكوبر للوصول إلى جسر القوات المسلحة.
3. المسار الأوسط: عبر شارع الشهيد محمد هاشم مطر، لاختراق دفاعات الدعم السريع في بحري والتوجه إلى القيادة العامة.
حقق المسار الأوسط الاختراق الأكبر، إذ تمكنت القوات الخاصة من تصفية 7 ارتكازات للدعم السريع، ما سهل تقدم الجيش نحو محطة سكة الحديد في بحري.
لحظات الالتحام: ساعة الصفر بين النيران
في الساعات الأخيرة، تقلّصت المسافة بين قوات الجيش المتقدمة من الشمال والجنوب إلى كيلومترين ونصف. بعيد صلاة الجمعة، صدرت الأوامر النهائية، واتخذت القوات طرقًا غير تقليدية لتجنب القناصة.
عند الخامسة مساءً، تحقق الالتحام أخيرًا، وأُعلن عنه رسميًا، ليصبح واحدًا من أكبر التحولات في مسار الحرب.
ما بعد فك الحصار: بداية النهاية؟
يعتبر الخبراء أن نجاح الجيش في فك الحصار يفتح الباب أمام سيطرة أوسع على العاصمة. يشير اللواء معتصم الحسن إلى أن الجيش أصبح يمتلك خط إمداد يمتد من بورتسودان إلى حلفا، ما يعزز موقفه في المعركة الأخيرة داخل الخرطوم بحري.
في المقابل، يرى مراقبون أن قوات الدعم السريع تواجه الآن خيارات صعبة: إما القتال حتى النهاية أو الانسحاب التدريجي، مع توقعات بانتقال المعركة قريبًا إلى غرب النيل.
المشهد السياسي: كيف ستؤثر التطورات على مستقبل السودان؟
يرى الدكتور سيف عطا المنان أن التقدم العسكري سيقلل فرص التفاوض، بينما يعتقد اللواء معتصم عبد القادر أن الجيش حسم خياره بالحل العسكري.
في المقابل، يرى حافظ كبير، الصحفي المقرب من الدعم السريع، أن الحرب لم تنتهِ بعد، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع تخطط لهجمات مضادة قد تطال مناطق بعيدة عن ساحة القتال الحالية.
وبينما يترقب الجميع الخطوة التالية، يتفق المحللون على أن فك الحصار عن القيادة العامة يمثل بداية مرحلة جديدة، ستحدد مستقبل الصراع في السودان.