رصد – نافذة السودان
انتشرت مؤخراً فتوى منسوبة للشيخ عبد الحي يوسف على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، حملت عنوان “جواز نشر صور هلكى المليشيا”، وجاء فيها أن الشيخ أفتى (إذا توفرت المصلحة فإنه يجوز نشر الصور). هذه الفتوى أثارت جدلاً واسعاً، وأثارت العديد من النقاط التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، خاصة من حيث تحديد “اختصاص الفتوى” وتقييم المصلحة في مثل هذه الحالات.
سبق لي أن علقت على ضرورة تحديد مجال الفتوى في المسائل المختلفة، حيث لا يمكن إعطاء مساحة واسعة لشيوخ في قضايا معقدة ومتشعبة لا يمكنهم الإحاطة بها بشكل كامل، خصوصاً في ظل تداخل المجالات الحياتية المعقدة.
الأخطاء في الفتوى
في فتوى الشيخ عبد الحي، كانت هناك نقطتان رئيسيتان تحتاجان إلى التفصيل:
إطلاق عبارة “إذا توفرت المصلحة”:
هذه العبارة تعتبر خطيرة، إذ تترك تقدير “المصلحة” للاجتهاد الشخصي، مما قد يؤدي إلى فوضى عارمة تحت غطاء فتوى شرعية. بمعنى آخر، قد يرى أي شخص يمتلك صوراً أنه في مصلحة نشرها، وهو ما قد يؤدي إلى أضرار لا يمكن تداركها، وبالتالي يصبح التقدير الشخصي للمصلحة معياراً مفتوحاً، ما يخل بالأهداف المحددة.
الخلط بين الصور ككيان واحد:
الشيخ عبد الحي، بحكم تخصصه، قد تصور أن الصور هي شيء واحد قابل للتقييم بنفس الطريقة. لكن “الصور” تتنوع بشكل كبير ولا توجد معايير ثابتة يمكن أن تنطبق على جميع الصور بنفس السياق. وبالتالي، فإن تقدير المصلحة يجب أن يكون مخصصاً لكل صورة على حدة، مع الأخذ في الاعتبار ظرفها ومضمونها وتأثيرها المحتمل. الاختصاص في الفتوى
إذا قبلنا أن الشيخ عبد الحي أحال الفتوى إلى “أهل الاختصاص”، فإن الخطأ هنا يكمن في احتكار المرجعية وتحديد جهة الفتوى بشكل غير دقيق. فبصفتي خبيراً في الإعلام، أرى أن هذا النوع من المسائل يجب أن يُحسم من قبل مختصين في الإعلام أو الحرب النفسية، وليس من خلال فتوى دينية.
ما هو الحل؟
في المسائل المتعلقة بالصور في مناطق الصراع، يجب أن تكون هناك إدارة إعلامية مختصة، مثل إدارة الإعلام العسكري، هي التي تقيم نشر أي صورة تتعلق بالمعارك. ولا يجب أن يتم تحديد النشر بناءً على اجتهاد فردي، بل يجب أن تكون هناك معايير واضحة تراعى الظروف والتوقيت والتأثير المحتمل لهذه الصور.
إن كانت فتوى الشيخ عبد الحي تنطلق من تقدير “المصلحة”، فإنه من الأوجب أن تقتصر هذه الفتوى على قضايا دينية مباشرة حسب اختصاص العلماء، أما في هذا النوع من القضايا المعقدة، فيجب توجيه الاستفسارات إلى أهل الاختصاص من الإعلاميين والخبراء العسكريين.
خلاصة
في النهاية، نحتاج إلى إعادة النظر في دور الفتوى في الحياة العامة وتحديد اختصاصات كل جهة. المسائل الإعلامية، وبالخصوص تلك المتعلقة بحروب وصراعات، تحتاج إلى خبرات عملية وأسس فنية تتجاوز نطاق الفتوى الدينية لتجنب الفوضى وضمان اتخاذ القرارات السليمة التي تخدم المصلحة العامة.