رصد – نافذة السودان
انقسمت مواقف أوروبا والولايات المتحدة بشكل حاد بشأن مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت. بينما أعربت معظم الدول الأوروبية عن استعدادها لاحترام قرارات المحكمة الدولية، بما في ذلك بريطانيا التي أكدت على استقلالية المحكمة، رفضت واشنطن تلك المذكرات، مما يعكس خلفية تاريخية معقدة بين الموقفين.
تفاوت المواقف: تاريخ أوروبي مقابل مخاوف أميركية
تعد هذه المواقف نتيجة لانقسام تاريخي في التعامل مع قوانين المؤسسات القضائية الدولية. فقد كانت أوروبا رائدة في تطوير هذه القوانين، بينما تشعر الولايات المتحدة بالقلق من إمكانية تمدد الولاية القضائية للمحكمة لتطال قواتها وقادتها العسكريين. وقد أبرز محللون غربيون، في تصريحات لـ”الشرق”، أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تستخدم “معايير مزدوجة” عندما يتعلق الأمر بتنفيذ مذكرات المحكمة، حيث كانت واشنطن قد دعمت قرار اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما انتقدت نفس المذكرة ضد المسؤولين الإسرائيليين.
الالتزام الأوروبي بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية
في المقابل، أكد المحامي الإيطالي تريستينو مارينيلو، عضو الفريق القانوني الذي يمثل ضحايا غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية، أن الدول الأوروبية ملزمة قانونيًا بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وتنفيذ مذكرات الاعتقال. وأوضح أن الفارق بين أوروبا وأميركا يكمن في أن الأخيرة لم تصدق على نظام روما الأساسي الذي يشكل الإطار القانوني للمحكمة، مما يجعلها غير ملزمة بتنفيذ قراراتها.
التناقض في المواقف الأوروبية
رغم دعمها المبدئي للمحكمة، تراجعت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، عن موقفها بشأن مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو، مشيرة إلى أن إسرائيل لم توقع على نظام روما، وبالتالي قد يتمتع نتنياهو بحصانة من الملاحقة القضائية. وأوضح أستاذ القانون الدولي بجامعة السوربون، فرانكو رومانو، أن هذه “الثورة القانونية” تعد الأولى من نوعها، حيث يتم اتهام حليف للغرب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
العواقب السياسية والتهديدات الأميركية
أثارت مذكرات الاعتقال ردود فعل قوية من واشنطن، حيث وصف الرئيس الأميركي جو بايدن القرار بأنه “شائن”، مؤكداً التزام بلاده الكامل بدعم إسرائيل. وفي الكونغرس، هدد بعض الأعضاء بفرض عقوبات اقتصادية على الدول الأوروبية التي تساعد المحكمة في تنفيذ هذه المذكرات. هذه المواقف تعكس الخوف الأميركي من أن تتحول المحكمة الجنائية الدولية إلى أداة قانونية ضد سياساتها في الشرق الأوسط.
إجراءات قانونية محتملة ضد الدول الأوروبية
أوضح رومانو أن الاتحاد الأوروبي قد يلجأ إلى محكمة العدل الأوروبية ضد الدول الأعضاء التي تتجاهل قرارات المحكمة الجنائية الدولية، مثل المجر والتشيك. كما أشار إلى أن الاتحاد قد يتخذ إجراءات ضد الدول التي تواصل بيع الأسلحة لإسرائيل، في إطار محاولاتها للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في غزة.
خطر تقويض القانون الدولي
رغم الضغوط السياسية، حذر رومانو من أن عدم تنفيذ مذكرات المحكمة قد يؤدي إلى تقويض النظام القانوني الدولي، وهو ما يهدد استقرار العلاقات الدولية ويعزز منطق “قانون الغاب”. كما أشار إلى أن مواقف الدول الغربية تجاه المحكمة الجنائية الدولية قد تؤثر على محاكمات أخرى، مثل القضايا المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
مواقف متباينة: تحديات أوروبا وأميركا
في النهاية، يبرز التناقض الواضح في المواقف الأوروبية تجاه هذه المذكرات، ما يعكس تداخل السياسة مع القيم القانونية الدولية. وبينما تسعى بعض الدول الأوروبية للتمسك بالالتزامات القانونية تجاه المحكمة الجنائية الدولية، فإن الولايات المتحدة تعتبر هذه المواقف تهديدًا مباشرًا لها ولحلفائها في المنطقة، مما يعكس التوتر المستمر في التعامل مع القضايا القانونية الدولية في عصر الانقسامات السياسية الكبرى.