رأي إعلامي
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد
حل تقدم: نهاية مشروع أم إعادة تشكل؟
إعلان حل مجموعة (تقدم) ليس مجرد حدث إداري يخص تنظيمًا سياسيًا بعينه، بل هو انعكاس لحالة أكثر عمقًا تتعلق بطبيعة الحراك السياسي والاجتماعي في السودان. فالحركات السياسية لا تنشأ من فراغ ولا تزول دون أن تترك أثرًا، وهي في جوهرها ليست مجرد هياكل تنظيمية، بل امتداد لأفكار وقيم ومشاريع تسعى إلى التحقق في الواقع.
من هنا، يطرح قرار الحل تساؤلات جوهرية:
هل انتهت الفكرة التي قامت عليها (تقدم)، أم أن التنظيم فقط هو الذي تلاشى بينما يظل المشروع السياسي والفكري مستمرًا في أشكال أخرى؟ هل نحن أمام نهاية طبيعية لتنظيم لم يستطع الصمود أمام تحديات المرحلة؟ أم أن هذا القرار مجرد خطوة تكتيكية لإعادة التموضع والاستعداد لظهور جديد بصيغة مختلفة؟
التنظيمات السياسية: دورة حياة متكررة
تمر التنظيمات السياسية بمراحل متتابعة:
مرحلة التأسيس: حيث تكون الأفكار في أنقى صورها، ويكون الحماس في أوجه.
مرحلة التوسع: حيث يزداد التأثير ويتضاعف الحضور، لكنها تجلب معها تحديات داخلية وخارجية.
مرحلة الاختبار: حيث يتم اختبار مدى تماسك التنظيم وقدرته على الصمود أمام الضغوط.
لكن ماذا عن (تقدم)؟
هل وصل التنظيم إلى مرحلة الانسداد حيث لم يعد ممكنًا المضي قدمًا؟ أم أن القرار جاء استباقيًا لتجنب انهيار أكثر فوضوية؟
السياق السياسي: لا فراغ يدوم طويلًا
المشهد السياسي السوداني ديناميكي، وأي فراغ يتركه تنظيم سياسي لا يظل شاغرًا طويلًا، بل تسارع قوى أخرى إلى ملئه عبر:
استقطاب أعضاء التنظيم المنحل.
تبني أطروحاته وإعادة إنتاجها بصياغات جديدة.
وهنا يبرز التساؤل:
من سيملا الفراغ الذي تركته (تقدم)؟ هل ستتمدد تيارات أخرى لاستيعاب جمهورها وكوادرها؟ أم أن المشهد سيتحول إلى حالة من التشرذم؟
سيناريوهات المستقبل: عودة بصيغة جديدة أم اندماج في تيارات أخرى؟
السيناريو الأول: ظهور تنظيم جديد بروح (تقدم) ولكن بهوية مختلفة، خاصة إذا كان قرار الحل مجرد خطوة تكتيكية.
السيناريو الثاني: اندماج أعضاء (تقدم) في تيارات سياسية أخرى، سواء قريبة في توجهاتها أو مختلفة تمامًا وفق الضرورات السياسية.
في كلتا الحالتين، الفكرة التي قامت عليها (تقدم) لن تختفي تمامًا، بل ستستمر في التأثير بطرق غير مباشرة.
هل التنظيمات في السودان قصيرة العمر؟
قرار حل (تقدم) يطرح أسئلة أوسع حول مستقبل التنظيمات السياسية في السودان:
هل باتت قصر عمر التنظيمات هو القاعدة الجديدة؟ هل أصبح الفشل في الاستمرارية هو المصير المحتوم لأي حركة سياسية جديدة؟ أم أن هذه الظاهرة تعكس مرحلة انتقالية تحتاج إلى مزيد من الاستقرار السياسي حتى تنضج الأحزاب والتيارات؟
الخاتمة: السياسة لا تعرف النهايات المطلقة
التنظيمات لا تموت بمجرد إعلان حلها، بل يعتمد بقاؤها أو زوالها على قدرتها على التكيف وإعادة إنتاج ذاتها في سياقات مختلفة.
هل كان هذا القرار خيارًا واعيًا لتجنب مصير أسوأ؟
أم أنه مجرد انعكاس لعجز عن الاستمرار؟
هل ستعود (تقدم) قريبًا في ثوب جديد، أم أن اسمها سيتحول إلى مجرد ذكرى؟
الأيام القادمة ستكشف الإجابة….
إلى أن نلتقي…
١١ فبراير ٢٠٢٥م