رأي إعلامي
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد
عار عليكم
من منا لم يخرج يومًا من حمام في أحد المستشفيات التعليمية بحالة من الصدمة والقرف؟ هذه المرافق التي يُفترض أن تكون نموذجًا للنظافة والرعاية الصحية تعكس واقعًا مظلمًا للإهمال العميق في هذه المؤسسات. الحديث عن حمامات المستشفيات التعليمية ليس رفاهية أو مبالغة، بل هو كشف لأزمة حقيقية تمس كرامة الإنسان وصورته أمام نفسه والمجتمع.
عندما نتحدث عن مستشفى تعليمي، فإننا نتحدث عن مؤسسة ذات مسؤوليتين عظيمتين: تقديم خدمة صحية بمستوى لائق، وإعداد أجيال من الأطباء والممرضين لقيادة مستقبل النظام الصحي. لكن كيف يمكننا الثقة في هذه الأجيال، وكيف نطمئن لمستوى الخدمة، إذا كانت أبسط المرافق – الحمامات – لا تصلح للاستخدام الآدمي؟
عزيزي القارئ، يكفي أن تدخل إلى حمام مستشفى تعليمي لتدرك عمق الكارثة. الأوساخ تغطي الجدران والأرضيات، الصنابير معطلة، والمراحيض لا تعمل بشكل صحيح. مواد التنظيف والصابون غائبة، ما يجعل الحمامات بيئة مثالية لتكاثر الجراثيم والبكتيريا. أما الروائح الكريهة، فهي شهادة يومية على غياب معايير النظافة والإدارة السليمة.
طلاب الطب والتمريض الذين يجبرون على استخدام هذه المرافق هم ضحايا لإهمال الإدارات التي تدير هذه المؤسسات. كيف يمكننا أن نطلب منهم أن يكونوا نماذج يحتذى بها في النظافة، وهم يعانون يوميًا من هذه الظروف المهينة؟ هؤلاء الطلاب، بين المرضى يحملون أحلامهم، يصطدمون بواقع يقتل فيهم الدافعية ويشككهم في جدوى ما يقومون به.
المسؤولية عن هذا الوضع لا تقع فقط على عاتق إدارات المستشفيات التعليمية، بل تشمل الجهات الحكومية المسؤولة عن تمويل هذه المؤسسات ومراقبة أدائها. أين الميزانيات المخصصة للصيانة والنظافة؟ أين دور الرقابة الصحية؟ هل تحولت هذه المؤسسات إلى بنايات خاوية لا يزورها المسؤولون إلا في المناسبات الرسمية؟
القبول بهذا الوضع يقتل روح الانتماء لهذه المؤسسات. المرضى يفقدون الثقة في جودة الرعاية، والطلاب يعيشون في بيئة لا تشجع على الإبداع أو الالتزام. كيف يمكن لمريض أن يثق في مؤسسة لا تستطيع تنظيف حماماتها؟ وكيف يمكن لطالب أن يتميز في بيئة كهذه؟
الطريق لإصلاح هذا الوضع يبدأ بالاعتراف بالمشكلة، ثم التخطيط الجاد الذي يشمل تخصيص ميزانيات كافية لصيانة المرافق الصحية وتطويرها. الرقابة الصارمة والدورية على نظافة الحمامات ضرورة ملحة، كما يمكن إشراك القطاع الخاص إذا تطلب الأمر ذلك.
أخيرًا، هذه الحمامات ليست مجرد مرافق جانبية، بل هي جزء من المنظومة الصحية والتعليمية وتعبر عن مدى احترامنا للإنسانية. استمرار هذا الوضع يعكس إهمالًا للأساسيات وتغاضيًا عن الكرامة، وهو أمر لا يمكن قبوله.
إن بقاء حمامات المستشفيات التعليمية بهذا الشكل هو عار على الجميع. هل سنرى تغييرًا قريبًا؟ أم سيظل الإهمال هو القاعدة، والإصلاح مجرد استثناء؟
إلى أن نلتقي…
8 يناير 2025م